فما يمكنهم الطواف خلفي في البراري فلا ينبغي طلبي في الصحارى، ثم لا يحملهم البلد في المقام ولا الزاد إن كانوا كثيرين فان انصرف الجمهور وبقى الأقل فهم قتلى سيوفى أول يوم ينصرف الجيش ويبقى من يتخلف، هذا إن سلموا من وباء هذا البلد ورداءة مائة وهوائه للذين نشؤا في ضده، وربوا في غيره، ولا عادة لأجسامهم بالصبر عليه، ففكر في هذا وانظر:
هل يفي تعبك وتغريرك بجيشك وعسكرك، وانفاقك الأموال وتجهيزك الرجال، وتكلفك هذه الاخطار، وتحملك هذه المشاق لطلبي، وأنا مع ذلك خالي الدرع منها، سليم النفس والأصحاب من جميعها، وهيبتك تنقص في الأطراف وعند ملوكها كلما جرى عليك شئ من هذا، ثم لا تظفر من بلدي بطائل، ولا تصل منه إلى مال أو حال، فإن اخترت بعد هذا محاربتي فاستخر الله تعالى وانفذ من شئت، وإن أمسكت فذاك إليك. قال: فأنفذني ثم جهزني وأنفذ معي عشرة من أصحابه إلى الكوفة فسرت منها إلى الحضرة، فدخلت على المعتضد فتعجب من سلامتي وسألني عنها فقلت: سبب أذكره سرا لأمير المؤمنين فتشوق إليه وخلا بي وسألني فقصصت عليه القصة فرأيته يتمعط في جلده غيظا، حتى ظننت أنه سيسير بنفسه إليه وخرجت من بين يديه فما رأيته بعد ذلك ذكره بحرف.
حدثني أبو محمد يحيى بن محمد بن سليمان بن فهد الأزدي الموصلي رحمه الله تعالى قال: حدثني جماعة من ثقات أهل الموصل: ان فاطمة بنت أحمد بن علي الكردي زوجة ناصر الدولة أم أبى تغلب اتهمت عاملا كان لها يقال له ابن أبي قبيصة من أهل الموصل بخيانة في مالها، فقبضت عليه وحبسته في قلعتها، ثم رأت أن تقتله فكتبت إلى المتوكل بالقلعة بقتله، فورد عليه الكتاب وكان لا يحسن أن يقرأ ولا يكتب وليس عنده من يقرأ ويكتب الا ابن أبي قبيصة فدفع الموكل بالقلعة الكتاب إليه وقال له: اقرأ فلما رأى فيه الامر بقتله قرأ الكتاب بأسره إلا حديث القتل ورد الكتاب عليه وقال ابن