حتى خضبت بما تحدر من دمى * اكناف سرجي أو عنان لجام ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب * جزع البصير قارح الاقدام هذا لمن أحب الموت طلبا لحياة الذكر، وقد أفصح بهذا الحصين بن الحمام المرى حيث يقول:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد * لنفسي حياة مثل أن أتقدما وهذا كثير متسع ليس هو مما نحن فيه بسبيل فنستوعبه ونستوفيه، ولكن الحديث ذو شجون، والشئ يذكر بالشئ. ونعود إلى ما كنا فيه قال بعض عقلاء التجار: ما أصغر المصيبة إذا عادت بسلامة الأرواح، وكأنه من قول بعض العرب: إن تسلم الحلة فالسخل هدر. ومن كلامهم لا تيبس أرض من عمران وإن جفاها الزمان. والعامة تقول نهر جرى فيه الماء لابد أن يعود إليه. وقال بيسمطيوس: لم تتفاضل أهل العقول والدين إلا باستعمال الفضل في حال القدرة والنعمة، وابتذال الصبر في حال الشدة والمحنة.
وقال بعض الحكماء: العاقل يتعزى فيما نزل به من المكروه بأمرين أحدهما: السرور بما بقي له. والآخر: رجاء الفرج مما نزل به. والجاهل يجزع في محنته بأمرين أحدهما: استكثار ما أتى إليه. والآخر: تخوفه مما هو أشد منه. وكان يقال المحن آداب الله تعالى لخلقه، وتأديب الله يفتح القلوب والاسماع والابصار.
ووصف الحسن بن سهل المحن فقال: معها تمحيض من الذنوب، وتنبيه من الغفلة، وتعرض للثواب بالصبر، وتذكير بالنعمة، واستدعاء للتوبة، وفى نظر الله عز وجل وقضائه الخيار، وبلغني هذا الخبر على وجه آخر.
وقرئ على أبى بكر الصولي وأنا أسمع في كتابه " كتاب الوزراء " حدثكم أبو ذكوان القاسم بن إسماعيل. قال: سمعت إبراهيم بن العباس بن محمد يصف الفضل بن سهل ويذكر تقدمه وعلمه وكرمه، وكان مما حدثني به أنه برأ من علة كان فيها فجلس للناس فهنوه بالعافية. فلما فرغ الناس من كلامهم قال الفضل: إن في العلل لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجهلوها، تمحيص للذنوب،