وغرسك، فقال: أمرتك بالتضييق على النبطي عمرو بن نهنوني فقابلت أمرى بالضد ووسعت عليه وأقمت له الانزال؟ فقلت يا أمير المؤمنين: إن عمرا يطالب بأموال كثيرة عظيمة فلم آمن أن أجعل محبسه في بعض الدواوين فيبذل مالا يرغب في مثله فيتخلص فجعلت محبسه في داري، وأشرفت على طعامه وشرابه لا حرس نفسه فان كثيرا من الناس اختانوا السلطان وتمتعوا بالأموال ثم طولبوا بها فاحتيل عليهم ليبطنوا ويفوز بالأموال غيرهم. قال الفضل: وإنما أردت بذلك تسكين غضب المأمون على، ولم أعرض الرقعة عليه بما جرى بيني وبين عمرو لأني لا آمن سورته من ذلك الوقت لاشتداد غضبه. فقال لي سلم عمرا إلى محمد بن يزداد. ففعلت فلم يزل يعذبه بأنواع العذاب حتى يبذل له شيئا فلم يفعل فلما رآى أصحابه وعماله ما قد ناله جمعوا له من بينهم ثلاثة آلاف ألف درهم وسألوا عمرا أن يبذلها لمحمد بن يزداد فبذلها فصار محمد إلى المأمون متجها بها وواصل الخط بها إلى المأمون وأنا واقف. فقال المأمون يا فضل: ألم نعلمك أن غيرك أقوم بأمورنا منك وأطوع لما تأمر؟ فقلت يا أمير المؤمنين: أرجو أن أكون في حالي استبطاء أمير المؤمنين أبلغ في طاعته من غيري. فقال المأمون: هذه رقعة عمرو ابن بهنوني بثلاث آلاف ألف درهم. فقلت - وما اجترأت عيه قط اجترائي عليه ذلك اليوم - فانى أخرجت ضيارة كانت مع غلامي فأخذت الرقعة منها مسرعا وقلت والله لأعلمن أمير المؤمنين أنى مع رفقي أبلغ في حياطة أمواله من غيري مع غلظته، وأريته رقعة عمرو التي كتبها لي وحدثته بحديثي عن آخره. فلما تبين المأمون الخطين وعلم أنهما من خط عمرو قال: ما أدرى أيكما أعجب؟ عمرو حيث تنكر برك وطاب نفسا بالخروج من ملكه بهذا السبب، أم أنت ومحافظتك على أهل النعم وسترتك عليه ذلك في ذلك الوقت.
والله لا كنتما يا نبطيان بأكرم منى. ودفع الرقعة التي أخذها محمد بن يزداد من عمرو إلى وأمرني بتمزيقها وتمزيق الأولى وأمر من يسلم عمرا من مجلسه إلى وأمرني باطلاقه فخرجت من بين يديه وفعلت ذلك.