تسقط من البرد فمضيت على شاطئه ثم عدلت أمشى فيه وربما حصلت في موضع لا أقدر على المشي فيه لأنه يكون جرفا فأسبح، واستمريت على ذلك أربعة فراسخ حتى حصلت في خيم فيها أقوام فأنكروني وهموا بي فإذا هم أكراد. فقصصت عليهم قصتي واستجرت بهم فرحموني، وأوقدوا بين يدي وأطعموني وستروني وانتهى الطلب من غد إليهم فما أعطوا خبري أحدا، فلما انقطع الطلب سيرني حتى دخلت الموصل مستترا، وكان ناصر الدولة ببغداد إذ ذاك فانحدرت إليه وأخبرته بخبري كله فعصمني من زوجته وأحسن إلى وصرفني.
حدثني أبو علي بن عبيد الله الحسين بن عبد الله الجصاص الجوهري، قال: سمعت أبي يحدث قال: لما نكبني المقتدر وأخذ منى تلك الأموال العظيمة أصبحت يوما في الحبس آيسا من الفرج فجاءني خادم، فقال:
البشرى. فقلت: ما الخبر؟ قال: قم قد أطلقت. فقمت معه فاجتاز بي في بعض طرق دور الخليفة يريد إخراجي إلى دار السيدة لتكون هي التي تطلقني لأنها هي التي شفعت في، فوقعت عيني في اجتيازي على أعدال خيش لي أعرفها كان مبلغها مائة عدل. فقلت للخادم: أليس هذا من الخيش الذي حمل من داري؟ فقال: بلى. فتأملته فإذا هو بشدة وعلاماته وكانت هذه أعدالا قد حملت إلى من مصر كل عدل منها فيه ألف دينار من مال كان لي هناك كتبت بحمله فخافوا عليه من الطريق فجعلوه في أعدال الخيش لأنها مما لا تكاد أن ينهبه اللصوص وإن وقعوا به لا يفطنون لما فيه فوصلت سالمة، ولاستغنائي عنها وعن المال لم أخرجه من الاعدال وتركته بحاله في بيت في داري وأقفلت عليه وتوخيت بذلك أيضا سر حديثه فتركته شهورا على حاله لأنقله كما أريد في أي وقت أرى، ولما حبست أخذ الخيش في جملة ما أخذ من داري، ولخسته عندهم تهاونوا به ولم يعرف أحد ما فيه فطرح في تلك الدار، فلما أريته عندهم بشدة طمعت في خلاصه والحيلة في إرجاعه فسكت.