أبى قبيصة: ففكرت وقلت أنا مقتول ولا آمن أن يرد كتاب آخر في هذا المعنى ويتفق حضور من يقرأه غيري فينفذ الامر في سبيلي أن أحتال عليه بحيلة فإن تمت سلمت، وان لم تتم فليس يلحقني أكثر من القتل الذي أنا حاصل فيه، فتأملت القلعة فإذا فيها موضع يمكن أن أطرح نفسي منه إلى أسفل إلا أن بينه وبين الأرض أكثر من ثلاثة آلاف ذراع، وفيه صخر لا يجوز أن يسلم معه من يقع عليه قال: فلم أجسر ثم ولد لي الفكر أنى تأملت الثلج قد سقط عدة ليال قطعا فغطى تلك الصخور فصار فوقها أمر عظيم يجوز ان سقطت عليه وفى أجلى تأخير أن ينكسر بعض بدني وأسلم قال: وكنت مقيدا فقمت لما نام الناس فطرحت نفسي من الموضع قائما على رجلي فحينما حصلت في الهواء ندمت وأقبلت أستغفر الله، وأتشهد وغمضت عيني حتى لا أرى كيف أموت وجمعت رجلي بعض الجمع، لأني كنت سمعت قديما أن من اتفق عليه أن يسقط قائما من مكان عال إذا جمع رجليه، ثم أرسلها إذا بقي بينه وبين الأرض قدر ذراع أو أكثر قليلا أن يسلم وينكسر حد السقطة ويصير كأنه بمنزلة من سقط من ذراعين. قال: ففعلت ذلك فلما سقطت إلى الأرض ذهب عنى أمرى وزال عقلي ثم آب إلى فلم أجد ما كان ينبغي أن يلحقني من ألم السقوط من ذلك الموضع فأقبلت أجس أعضائي شيئا فشيئا فأجدها سالمة وقمت وقعدت وحركت يدي ورجلي فوجدت ذلك كله سالما، فحمدت الله تعالى على تلك الحال، وأخذت صخرة وكان الحديد الذي قد صار في رجلي كالزجاج لشدة البرد. قال: فضربته ضربا شديدا فانكسر فطن حتى ظننت أنه سيسمعه من في القلعة لعظمه فينتبهون إلى فسلم الله عز وجل من هذا أيضا، وقطعت تكتي وشددت ببعضها القيد على ساقى وقمت أمشى في الثلج فمشيت طويلا ثم خفت أن يروا آثاري من غد في الثلج على المحجة فيتبعوني فلا أفوتهم فعدلت عن المحجة إلى نهر يقال له الخابور، فلما وصلت إليه وصرت على شاطئه نزلت في الماء إلى ركبتي وأقبلت أمشى كذلك فرسخا حتى انقطع أثرى، ثم خرجت لما كادت أطرافي
(١١٧)