بنفسي فلم أتحرك فأخذه محمد وضمه إليه وقال يا سليمان: لم لا تفعل بهذا الصبي كما فعله أهل المجلس؟ قلت: اشتغلني عن ذلك ما أنا فيه. قال: لا ولكنك لم تطق ذلك عداوة لأبيه وله وكأني بك وقد ذكرت عبيد الله فأملت فيه الآمال والله لا رأيت فيه شيئا تؤمله، وأشرف بعد ذلك في الاستماع فعلمت أنه قد بغى ووثقت من الله عز وجل بجميل عادته وأنه سيبلغني ما آمله فيه عنادا لبغيه. قال: ولم يمض إلا مدة يسيرة حتى سخط المتوكل على محمد بن عبد الملك وقلدني مناظرته وإحصاء متاعه فوافيت داره فرأيت ذلك الخادم بعينه ومعه الصبي يبكى. فقلت ما خبر هذا الصبي؟ فقال: قد منع من كل ماله وأدخل في الاحصاء فقلت: لا بأس عليه، فدخلت فسلمت إليه كل ما كان له ثم قال لي: فينبغي يا بنى إن تهيأت لك حال ورأيت الصبي وهو عمر بن محمد أن تحسن إليه وتقابل نعمة الله تعالى فيه بما يجب لها، فلما رأيته في هذا الوقت تذكرت ما قاله أبو أيوب رحمه الله تعالى فامتثلت فيه ما أشار به وأنا أتقدم بعد الذي فعلته به إلى أبى الحسين بتصريفه، وكانت لعمر خرجة قويت بها حاله عند أبي الحسين إلى أن استخلفه في دار أبى النجم مدبرا بين يديه، وقد ذكر محمد بن عبدوس في كتابه " كتاب الوزراء " أنه وجد بخط ميمون ابن هارون عن أبي محمد داود بن الجراح وقد وقع إلى من وجه آخر على خلاف ذلك بإسناده عن جماعة قالوا كلهم: حضرنا مجلس عبيد الله بن سليمان في أول وزارته للمعتضد وقد حضر رجل رث الهيئة بثياب غلاظ فعرض عليه رقعة، وكان جالسا للمظالم فقرأها قراءة متثاقل لها متفكر فتعجب ثم قال: نعم وكرامة ثلاث مرات أفعل ما قال أبى لا ما قال أبوك، وكرره ذا القول أيضا ثلاث مرات ثم قال له: عد إلى وقت العصر لأنظر في أمرك. ثم قال لنا:
إذا خلوت فذكروني بحديث هذا لأخبركم منه بعجب عجيب وعمل بقية المجلس ثم قام واستراح ودعا بالطعام فلما أكلنا أكثر الاكل قال لنا: ما أراكم ذكرتموني بحديث صاحب الرقعة؟ فقلنا أنسينا. فقال: حدثني أبي قال:
كنت في زمن محمد بن عبد الملك في أيام الواثق لما صادرني عن كتابة ايناخ