ووجدته قد أخر رفع الحساب لسنة متقدمة لسنته التي هو فيها ولم ينفذه إلى الديوان فسألته أن يحط من الدخل ويزيد في النفقات والأرزاق ويكثر من البقايا في كل سنة مائة ألف دينار لآخذها لنفسي فامتنع من ذلك فأغلظت له وتوعدته، ونزلت معه إلى مائة ألف واحدة في السنتين وحلفت بإيمان مؤكدة أنى لا أقنع منه بأقل من هذا. فأقام على امتناعه وقال أنا لا أخون لنفسي فكيف أخون لغيري، وأزيل ما قام به جاهي من العفاف فحبسته وقيدته فلم يجب، وأقام مقيدا في الحبس شهورا وكتب عرق الموت يضرب على عند المتوكل ويحلف أن أموال مصر لا تفي بنفقتي ومؤنتي، ويصف أحمد ابن خالد ويذكر ميل الرعية إليه وعفته فأنا ذات يوم على المائدة آكل إذ وردت إلى رقعة أحمد بن خالد يسألني استدعاءه لمهم يلقيه إلى فلم أشك أنه قد ضاق بالحبس والقيد، وقدم عزم على الاستجابة لمرادي فلما غسلت يدي دعوته فاستخلاني فأخليته فقال: أما آن لك يا سيدي أن ترق لي مما أنا فيه من غير ذنب إليك، ولا جرم ولا قديم دخل، ولا عداوة؟ فقلت: أنت اخترت لنفسك هذا، وقد سمعت يميني وليس منها مخرج. فاستجب لما أمرت به واخرج فأخذ يستعطفني ويخدمني ويخدعني فقال لي يا سيدي:
فليس الآن عندك غير هذا؟ فقلت: لا. فقال إذا كان ليس غير هذا فاقرأ يا سيدي وأخرج إلى كتابا لطيفا مختوما في ربع قرطاس ففضضته فإذا هو بخط المتوكل الذي أعرفه وهو إلى يأمرني فيه بالانصراف وتسليم ما أتولاه إلى أحمد بن خالد والخروج إليه مما يلزمني، ورفع الحساب فورد على أقبح مورد لقرب عهد الرجل بشتمي له وإساءتي إليه فأمسكت مبهوتا. ولم ألبث أن دخل أمير البلد في أصحابه وغلمانه فوكل بداري وبجميع ما أملكه وبأصحابي وغلماني وجهابذي وكتابي وجعلت أزحف من صدر المحل حتى صرت بين يدي أحمد بن خالد، ودعا أمير البلد بحداد فحل قيدة فوثب قائما وقال لي: يا أبا أيوب أنت قريب عهد بعمالة هذا البلد، ولا منزل لك فيه ولا صديق ومعك حرم وحاشية كثيرة وليست تسعك إلا هذه الدار وكانت دار العمالة، وأنا أجد عدة مواضع غيرها وليس لي