أيامك لم تطل في مصر ولا حظيت بكثير فائدة، وذلك الباب الذي سألتنيه في ولايتك فلم أجب إليه إنما أخرت الاذن لك في الانصراف منذ أول الأمر إلى الآن لأني تشاغلت بالفراغ لك منه، وقد حططت من الارتفاع وزدت في النفقات كل سنة خمسة عشر ألف دينار تكون في السنتين ثلاثين ألف دينار وهو يقرب ولا يظهر ويكون أيسر مما أردته منى في ذلك الوقت وقد تشاغلت به حتى جمعته لك، وهذا المال على البغال فقدم إلى من يستلمه فتقدمت لقبضه وقبلت يده وقلت: قد والله يا سيدي فعلت ما لم تفعل البرامكة فأنكر ذلك منى وتقبض منه وقبل يدي ورجلي وقال: ها هنا شئ آخر أريد أن تقبله منى فقلت: ما هو؟ قال خمسة آلاف دينار قد استحقيتها من رزقي فامتنعت وقلت فيما قد تفضلت به كفاية فحلف أنى أقبلها منه فقبلتها. فقال:
وهذه الطاف من هدايا مصر أحببت أن أصحبك إياها فإنك ستصير إلى كتاب الدواوين ورؤساء الحضرة ويقولون لك وليت مصر فأين نصيبنا من هداياها ولم تطل أيامك فتعد ذلك لهم وقد جمعت لك منه ما يشتمل عليه هذا الثبت واخرج درجا فيه ثبت جامع لكل شئ في الدنيا حسن ظريف جليل القدر من ثياب ديبقي وقصب وخدم، وبغال ودواب وحمير، وفرش وطيب كثير وما يكون فيه الجميع مال كثير فأمرت بتسلمه وزدت في شكره فقال لي يا سيدي أنا مغرى بحب الفرش وقد عملت لي بيت أرمني بأرمينية وهو عشر مصليات بمخادها ومساندها ومطارحها وبساطها وهو مذهب بطرز مذهبة قد قام على بخمسة آلاف دينار على شدة احتياطي فان أهديته إلى الوزير عبدك، وان أهديته إلى الخليفة ملكته به، وإن أبقيته لنفسك وتجملت به كان أحب إلى وحمله إلى فما رأيت مثله قط ولم تسمح نفسي باهدائه إلى أحد ولا استعماله فما ابتذلت منه شيئا إلا يوم اعذارك. فهل تلومني يا بنى بعد ذلك على أن أقوم لهذا الرجل؟ قال: فقلت: لا والله يا أبى ولا على ما هو أكثر من القيام لو كان مستطاعا. قال: فكان أبى بعد ذلك إذا صرف رجلا عامله بكل جميل يقدر عليه ويقول: علمنا أحمد أحمد بن خالد حسن التصرف.