قال ولم ضمنته؟ قال رأيته يتصفح الوجوه فاختارني من بينهم وكرهت أن أخلفه ظنه. فلما كان من الغد عاد الشيخ ومعه أسيران من المسلمين شابان فدفعهما إلى مسلمة وقال: يأذن الأمير في هذا الفتى أن يصير معي إلى حصني لأكافئه على فعله معي؟. قال مسلمة للكلبي: إن شئت فامض معه. فلما مضى وصار معه إلى حصنه. قال له يا فتى: تعلم والله أنك ابني. قال: وكيف أكون ابنك وأنا رجل من العرب مسلم وأنت من الروم نصراني؟ قال أخبرني عن أمك ما هي؟ قال رومية. قال فانى أصفها لك فبالله إن صدقت الا صدقتني.
قال: افعل. فأقبل الرومي يصف أم الصبي ما خرج منها شيئا. فقال: هي كذلك. فكيف عرفت انى ابنها قال بالشبه، وتعارف الأرواح، وصدق الفراسة. ثم أخرج إليه امرأة فلما رآها الفتى لم يشك في أنها أمه لشدة شبهها بها، وخرجت معها عجوز كأنها هي فأقبلن يقبلن رأس الفتى. فقال له الشيخ:
هذه جدتك وهذه خالتك. ثم طلع من حصنه فدعا بشباب في الصحراء فأقبلوا فكلمهم بالرومية فجعلوا يقبلون رأس الفتى ويديه ورجليه ويترشفونه.
فقال: هؤلاء أخوالك وبنو خالاتك وبنو عم والدتك، ثم أخرج إليه حليا كثيرا وثيابا فاخرة فقال: هذا لوالدتك عندنا منذ سبيت فخذه معك فادفعه إليها فإنها ستعرفه، ثم أعطاه لنفسه مالا كثيرا وثيابا جليلة وحمله على عدة دواب وبغال وألحقه بعسكر مسلمة وانصرف. فأقبل الفتى قافلا حتى دخل منزله فأقبل يخرج الشئ بعد الشئ مما عرفه الشيخ أنه لامه فتراه فتبكى.
فيقول لها: قد وهبته لك فلما أكثر هذا عليها قالت يا بنى: أسألك بالله من أي بلد صارت إليك هذه الثياب، وهل قتلتم أهل هذا لحصن الذي كان هذا فيه؟
فقال لها الفتى: صفة الحصن كذا وكذا، وصفة البلد كذا وكذا. ورأيت فيه قوما من حالهم كذا فوصف لها أمها وأختها وأولادهما وهي تبكى وتقلق.
فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: الشيخ والله والله أبى، والعجوز أمي وتلك أختي فقص عليها الخبر وأخرج بقية ما كان معه مما أنفذه أبوها إليها فدفعه لها.