لي عند أمير المؤمنين أخافه. وبعد: فإذا عرف أمرى وعلم سلامتي وصلاح حالي وإن الحسدة والأعداء رموني عنده بما لست في طريقه، وتقولوا على الأقاويل الكاذبة، لم يستحل دمى ويخرج من ذمتي وإزعاجي وردي مكرما أو إقامتي ببابه معظما، وإن كان قد سبق في علم الله تعال أنه يبدو منه إلى بادرة سوء وقد حضر أجلى، وحان سفك دمى على يده فلو اجتهدت الملائكة والأنبياء وأهل السماء والأرض على صرف ذلك عنى ما استطاعوا، فلم أتعجل الغم وأتسلف الفكر فيما قد فرغ منه، وأين حسن الظن بالله عز وجل الذي خلق ورزق، وأحيا وأمات، وفطر وجبل، وأحسن وأجمل، وأين الصبر والرضا والتفويض والتسليم إلى من يملك الدنيا والآخرة، وقد كنت أحسب أنك تعرف هذا؟. فإذا قد عرفت مبلغ فهمك لا أكلمك أبدا بكلمة واحدة، حتى تعرف حضرة أمير المؤمنين بيننا إن شاء الله تعالى. ثم أعرض عنى فما سمعت له لفظة بغير القرآن والتسبيح إلا بطلب ماء أو حاجة تجرى مجراه حتى شارفنا الكوفة في اليوم الثالث عشر بعد الظهر، فإذا النجب قد استقبلتني على فراسخ من الكوفة يتجسسون خبري فحين رأوني رجعوا متقدمين لي بالخبر إلى أمير المؤمنين فانتهيت إلى الباب في آخر النهار فحططت، ودخلت على الرشيد فقبلت الأرض بين يديه ووقفت فقال: هات ما عندك وإياك أن تغفل منه عن لفظة واحدة. فسقت الحديث إلى آخره حتى انتهيت إلى الفاكهة، والطعام، والغسل، والبخور، والصلاة. وما حدثت به نفسي من امتناعه والغضب يظهر في وجهه يتزايد حتى انتهيت إلى فراغ الأموي من الصلاة وإقباله إلى ومسألته عن سبب قدومي ودفعي الكتاب إليه ومبادرته إلى إحضار ولده وأنسابه وأهله وأصحابه. وحلفه لهم أن لا يتبعه أحد منهم وصرفه إياهم ومد رجله حتى قيدته فما زال وجه الرشيد يسفر فلما انتهيت إلى ما خاطبني به عند توبيخي إياه لما ركب المحمل قال: صدق والله، ما هذا إلا رجل محسود على النعمة، مكذوب عليه ولعمري قد أزعجناه وروعناه وأرعنا أهله فبادر بنزع قيوده عنه وائتني به. فخرجت ونزعت قيوده وأدخلته إلى الرشيد فما هو إلا أن رآه حتى رأيت ماء الحياة يجول في وجهه
(١٠١)