أمير المؤمنين وأخرجت الكتاب ودفعته إليه ففضه وقرأه، ولما استتم قراءته دعا أولاده وحاشيته فاجتمع منهم خلق فلم أشك أنه يريد أن يوقع بي فلما تكاملوا ابتدأ فحلف أيمانا غليظة فيها الطلاق، والعتاق، والحج، والصدقة، والوقف، والحبس، ان لا يجتمع منهم اثنان في موضع، وأن ينصرفوا ويدخلوا غلمانه وحاشيته منازلهم فلا يظهر منهم أحد إلى أن ينكشف له أمر يعمل عليه. وقال: هذا كتاب أمير المؤمنين يأمرني بالمسير إلى بابه، ولست أقيم بعد نظري فيه لحظة واحدة فاستوصوا بمن ورائي من الحرم خيرا، وما بي حاجة أن يصحبني غلام. هات إقيادك يا منارة فدعوت بها وأنت في سفط، واحضر حدادا ومد ساقيه فقيدته وأمرت غلماني بحمله حتى حصل في المحمل، وركبت الشق الآخر وسرت من وقتي ولم ألق أمير البلد ولا غيره وسرت بالرجل ليس معه أحد إلى أن صرنا بظاهر دمشق فابتدأ يحدثني بانبساط حتى انتهينا إلى بستان حسن في الغوطة فقال لي: ترى هذا؟. قلت: نعم قال: إنه لي ولى فيه غرائب من الأشجار كيت وكيت، ثم انتهى إلى بستان آخر. فقال لي فيه مثل ذلك، ثم انتهينا إلى مزارع حسان وقرى سرية فأقبل يقول هذا لي ويصف كل شئ فيه من ذلك فاشتد غيظي منه فقلت له: علمت أنى شديد التعجب منك! قال: فلم؟ قلت. ألست تعلم أن أمير المؤمنين قد أهمه أمرك حتى انفذ إليك من انتزعك من بين أهلك وولدك ومالك وأخرجك من جميع حالك وحيدا فريدا مقيدا لا تدرى ما تصير إليه، ولا كيف تكون وأنت فارغ القلب من هذا، تصف بساتينك وضياعك هذه، وأنت ساكن القلب قليل الفكر؟ فقال لي مجيبا: إنا لله وإنا إليه راجعون أخطأت فراستي فيك قدرتك رجلا كامل العقل، وإنك ما حللت من الخلفاء هذا المحل إلا بعد أن عرفوك بذلك فإذا عقلك وكلامك يشبه كلام العوام وعقولهم والله المستعان، أما قولك في أمير المؤمنين وإزعاجه وإخراجه إياي إلى بابه على صورتي هذه فإني على ثقة بالله عز وجل الذي بيده ملكوت السماوات والأرض شاهد كل نجوى، وكاشف كل بلوى، وحاضر كل سريرة، وبيده ناصية أمير المؤمنين لا يملك معه لنفسه نفعا ولا ضرا إلا بإذن الله ومشيئته، ولا ذنب
(١٠٠)