الزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، وليس من الأمر في شئ.
فقالوا: يا أمير المؤمنين قل فيهم فقال: لا يمنعني من عثمان إلا عصبيته 1 وحبه لقومه، ولا يمنعني من 2 علي بن أبي طالب إلا حرصه عليها وأنه رجل تلعابة 3 ولا يمنعني من
١ - قال ابن الأثير في النهاية: " وفيه: العصبي من يعين قومه على الظلم، العصبي هو الذي يغضب لعصبته ويحامي عنهم، والعصبة الأقارب من جهة الأب لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم، ومنه الحديث: ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية، العصبية والتعصب المحاماة والمدافعة وقد تكرر في الحديث ذكر العصبية والعصبة ".
٢ - في بعض النسخ: " عن " وكذا في الموارد الآتية إلا أن " منعه منه وعنه " بمعنى وكلاهما واردان في اللغة.
٣ - قد تكرر نقل المصنف (ره) هذا الكلام المسلم صدوره من عمر في حق علي - عليه السلام - (منها ما مر في ص ١٦٣ - ١٦٦) ولم نذكر شيئا " في بيانه فالأولى أن نذكر هنا ما ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عند شرحه قوله (ع): " عجبا " لابن - النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة وأني امرؤ تلعابة أعافس وأمارس " فإنه قد أطال الكلام هنا في ترجمة عمرو بن العاص وأجاب عن هذا الأمر وقال بالنسبة إلى ما نحن بصدده ما نصه (أنظر المجلد الثاني من طبعة دار الكتب العربية بمصر سنة ١٣٢٩، ص ١١٤):
" فأما ما كان يقوله عمرو بن العاص في علي - عليه السلام - لأهل الشام أن فيه دعابة يروم أن يعيبه بذلك عندهم فأصل ذلك كلمة قالها عمر فتلقفها منه من تلقفها حتى جعلها أعداؤه عيبا " له وطعنا " عليه قال أبو العباس يحيى ثعلب في كتاب الأمالي: كان عبد الله بن عباس عند عمر فتنفس عمر نفسا " عاليا " قال ابن عباس: حتى ظننت أن أضلاعه قد انفرجت فقلت له: ما أخرج منك هذا النفس يا أمير المؤمنين إلا هم شديد قال: إي والله يا ابن عباس إني فكرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي ثم قال:
لعلك ترى صاحبك لها أهلا؟ قلت: وما يمنعه من ذلك؟ مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه قال: صدقت ولكنه امرؤ فيه دعابة قلت: فأين أنت من طلحة؟ قال: هو ذو البأو بإصبعه المقطوعة قلت: فعبد الرحمن؟ قال: رجل ضعيف لو صار الأمر إليه لوضع خاتمه في يد امرأته، قلت: فالزبير؟ قال: شكس لقس يلاطم في البقيع في صاع من بر، قلت:
فسعد بن أبي وقاص؟ قال: صاحب مقنب وسلاح، قلت: فعثمان قال: أوه أوه، مرارا "، ثم قال: والله لئن وليها ليحملن بني أبي معيط على رقاب الناس ثم لتنهضن إليه العرب فتقتله ثم قال: يا ابن عباس: إنه لا يصلح لهذا الأمر إلا خصيف العقدة قليل الغرة، لا تأخذه في الله لومة لائم، يكون شديدا من غير عنف لينا " من غير ضعف، جوادا " من غير سرف، ممسكا " من غير وكف، قال ابن عباس: وكانت هذه صفات عمر ثم أقبل علي فقال: إن أحراهم أن يحملهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم لصاحبك، والله لئن وليها ليحملنهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم.
واعلم أن الرجل ذا الخلق المخصوص لا يرى الفضيلة إلا في ذلك الخلق ألا ترى أن الرجل يبخل فيعتقد أن الفضيلة في الامساك، والبخيل يعيب أهل السماح والجود وينسبهم إلى التبذير وإضاعة الحزم، وكذلك الرجل الجواد يعيب البخلاء وينسبهم إلى ضيق النفس وسوء الظن وحب المال، والجبان يعتقد أن الفضيلة في الجبن ويعيب الشجاعة ويعتقد كونها خرقا " وتغريرا " بالنفس كما قال المتنبي: يرى الجبناء أن الجبن حزم، والشجاع يعيب الجبان وينسبه إلى الضعف ويعتقد أن الجبن ذل ومهانة وهكذا القول في جميع الأخلاق والسجايا المقتسمة بين نوع الإنسان ولما كان عمر شديد الغلظة وعر الجانب خشن الملمس دائم العبوس كان يعتقد أن ذلك هو الفضيلة وأن خلافه نقص حتى لو قدرنا أن خلقه حاصل لعلي - عليه السلام - وخلق على حاصل له لقال في علي:
لولا شراسة فيه فهو غير ملوم عندي فيما قاله ولا منسوب إلى أنه أراد الغض من على والقدح فيه ولكنه أخبر عن خلقه ظانا أن الخلافة لا تصلح إلا للشديد الشكيمة العظيم الوعورة (إلى أن قال) ومن تأمل كتب السير عرف صدق هذا القول وعرف أن عمرو بن العاص أخذ كلمة عمر إذ لم يقصد بها العيب فجعلها عيبا وزاد عليها أنه كثير اللعب يعافس النساء ويمارسهن وأنه صاحب هزل، ولعمر الله لقد كان أبعد الناس من ذلك وأي وقت كان يتسع لعلي - عليه السلام حتى يكون فيه على هذه الصفات فإن أزمانه كلها في العبادة والصلاة والذكر والفتوى والعلم واختلاف الناس إليه في الأحكام وتفسير القرآن، ونهاره كله أو معظمه مشغول بالصوم وليله كله أو معظمه مشغول بالصلاة، هذا في أيام سلمه فأما أيام حربه فبالسيف الشهير والسنان الطرير وركوب الخيل وقود الجيوش ومباشرة الحروب ولقد صدق - عليه السلام - في قوله: إنني ليمنعني من اللعب ذكر الموت ولكن الرجل الشريف النبيل الذي لا يستطيع أعداؤه أن يذكروا له عيبا " أو يعدوا عليه وصمة لا بد أن يحتالوا ويبذلوا جهدهم في تحصيل أمر ما وإن ضعف يجعلونه عذرا " لأنفسهم في ذمه ويتوسلون به إلى أتباعهم في تحسينهم لهم مفارقته والانحراف عنه (إلى آخر ما قال فمن أراده فليراجع ذلك الكتاب) ".