يأكلها، ولو كانت النار أحرقت الصحيفة أو ذهب بها المنافقون كان العجب منهم أقل، والله تعالى يبطل الشئ إذا أراد إبطاله بالضعيف والقوي فقد أهلك قوما بالذر كما أهلك قوما " بالطوفان، وعذب قوما بالضفادع كما عذب آخرين بالحجارة، وأهلك نمرود ببعوضة و غرق اليمن بفأرة.
وأما قولهم: كيف يكمل الدين وقد أرسل ما أبطله؟!
فإن هذه الآية نزلت عليه - صلى الله عليه وسلم - يوم حجة الوداع حين أعز الله تعالى الإسلام وأذل الشرك وأخرج المشركين عن مكة فلم يحج في تلك السنة إلا مؤمن، و بهذا أكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة على المسلمين فصار كمال الدين ههنا عزه وظهوره وذل الشرك ودروسه لا تكامل الفرائض والسنن لأنها لم تزل تنزل إلى أن قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهكذا قال الشعبي في هذه الآية. ويجوز أن يكون الإكمال للدين برفع النسخ عنه بعد هذا الوقت.
وأما إبطاله إياه فإنه يجوز أن يكون أنزله قرآنا " ثم أبطل تلاوته وأبقى العمل به كما قال عمر - رضي الله عنه - في آية الرجم وكما قال غيره في أشياء كانت من القرآن قبل أن يجمع بين اللوحين فذهبت، وإذا جاز أن يبطل العمل به وتبقى تلاوته جاز أن تبطل تلاوته ويبقى العمل به، ويجوز أن يكون أنزله وحيا " إليه كما كان تنزل عليه أشياء من أمور الدين ولا يكون ذلك قرآنا " كتحريم نكاح العمة على بنت أخيها، والخالة على بنت أختها، والقطع في ربع دينار، ولا قود على والد ولا على سيد، ولا ميراث لقاتل. و كقوله - صلى الله عليه وسلم -: يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي جميعا " حنفاء، وكقوله يقول الله عز وجل: من تقرب إلي شبرا " تقربت منه ذراعا "، وأشباه هذا، وقد قال عليه السلام أوتيت الكتاب ومثله معه، يريد: ما كان جبريل عليه السلام يأتيه به من السنن وقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجم الناس بعده وأخذ بذلك الفقهاء.
فأما رضاع الكبير عشرا "، فنراه غلطا من محمد بن إسحاق ولا نأمن أيضا " أن يكون الرجم الذي ذكر أنه في هذه الصحيفة كان باطلا لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قد رجم ماعز بن مالك وغيره قبل هذا الوقت فكيف ينزل عليه مرة أخرى؟! ولأن مالك بن أنس روى هذا الحديث بعينه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة - رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن فتوفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن مما يقرأ من القرآن، وقد أخد بهذا الحديث قوم من الفقهاء منهم الشافعي وإسحاق وجعلوا الخمس حدا بين ما يحرم وما لا يحرم كما جعلوا القلتين حدا " بين ما ينجس من الماء ولا ينجس، وألفاظ حديث مالك خلاف ألفاظ حديث محمد بن إسحاق.
قال أبو محمد: حدثنا أبو حاتم قال: نا الأصمعي قال: معمر قال: قال لي أبي:
لا تأخذن عن محمد بن إسحاق شيئا " فإنه كذاب، وقد كان يروي عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير وهي امرأة هشام بن عروة، فبلغ ذلك هشاما " فأنكره وقال: أهو كان يدخل على امرأتي أم أنا؟!
وأما قول الله تبارك وتعالى: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فإنه تعالى لم يرد بالباطل أن المصاحف لا يصيبها ما يصيب سائر الأعلاق و العروض وإنما أراد أن الشيطان لا يستطيع أن يدخل فيه ما ليس منه قبل الوحي وبعده ".
أقول: هذا شطر مما ذكره علماء العامة في هذا المطلب ولا مجال لنقل أكثر من ذلك هنا إلا أن أعجب العجب أنهم مع خوضهم في نقل ذلك وأمثاله وإصرارهم على إثباتها بدلائل وافية عندهم وبيانات شافية على زعمهم إذا تفطنوا بقبحها والتفتوا إلى ركاكتها ووقاحتها يرمون بها الشيعة وينسبونها إليهم، ولعمري إن تلك إذا " قسمة ضيزى ألا ترى إلى قول جار الله الزمخشري وهو من أعاظم العلماء ومفاخر الإسلام في الكشاف في أول تفسير سورة الأحزاب ونص عبارته بعد البسملة: " عن زر قال قال لي أبي بن كعب - رضي الله عنه -: كم تعدون سورة الأحزاب؟ - قلت: ثلاثا وسبعين آية قال: فوالذي يحلف به أبي بن كعب إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول، ولقد قرأنا منها آية الرجم: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.
أراد أبي - رضي الله عنه - أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن وأما ما يحكى أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة - رضي الله عنها - فأكلتها الداجن فمن تأليفات الملاحدة والروافض ".
ونظيره ما اتهم به صاحب بعض فضائح الروافض الشيعة وأجاب عنه الشيخ عبد الجليل القزويني في بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض فالأولى أن نذكر كلامهما وهو: " وآنچه گفته است كه: بمذهب شيعه چنانست كه قرآن را بز عايشه بخورد پس چون قائم بيايد بشرح وراستى املا كند، عجب آنست كه اين مزور انتقالي دعوى كرده است كه بيست وپنج سال رافضي بوده است واين قدر بندانسته است كه اين نه مذهب شيعه است وكسى نگفته است واز عالمى از علماى شيعه مذكور نيست ودر كتابي از كتب ايشان مسطورنه، وبراين أصل بد كه نهاده است بارى تعالى را دروغ زن ميدارد بيرون از غفلت رسول صلى الله عليه وآله وعايشة، چه نه حق تعالى گفته: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، معنى آنست كه: ما فرو فرستاديم قرآن را وما نگاه دارنده ايم آن را، پس عايشه جاهل باشد ومحمد صلى الله عليه وآله غافل وخداى تعالى دروغ زن، نعوذ بالله من هذا المقال ".
فمن أراد ذيل كلامه فليراجع ص 100 من كتاب النقض المطبوع بتحقيقنا.
وأما بيان معنى رضاع الكبير والخوض في التحقيق فيه فهو خارج عن موضوع بحثنا، فمن أراد ذلك فليراجع كتاب أحاديث أم المؤمنين عائشة للناقد البصير مرتضى العسكري فإنه خاض في التحقيق فيه تحت عنوان " رأيها في رضاع الكبير " (راجع ص 282 - 285).