١ - هذه القضية بهذا الوجه لم أرها إلى الآن على ما ببالي في كتاب، نعم نظيرها في المعنى مذكور في الكتب وهي هكذا قال الراغب في كتاب المحاضرات تحت عنوان " ومما جاء في مبدء القرآن ونزوله " (ج ٢، ص ٢٥٠ من طبعة مصر سنة ١٢٨٧ أو ص ١٨٩ من ج ٢ من طبعة مصر سنة ١٣٢٦) ما نصه: " وقالت عائشة: لقد نزلت آية الرجم ورضاع الكبير وكانتا في رقعة تحت سريري وشغلنا بشكاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت داجن فأكلته " وقال الدميري في حياة الحيوان: " الداجن الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم وكذلك الناقة والحمام البيوتي والأنثى داجنة والجمع دواجن، وقال أهل - اللغة: دواجن البيوت ما ألفها من الطير والشاء وغيرهما وقد دجن في بيته إذا لزمه قال ابن السكيت: شاة داجن وراجن إذا ألفت البيوت واستأنست (إلى أن قال:) وفي صحيح - مسلم عن ابن عباس أن ميمونة أخبرته أن داجنة كانت لبعض نساء النبي صلى الله عليه وآله فماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أخذتم إهابها فاستمتعتم به، وفيه وفي السنن الأربعة عن عائشة:
قالت: لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا " ولقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها " أقول: نص عبارة سنن ابن - ماجة في باب رضاع الكبير من أبواب النكاح هكذا (ص ١٣٩ - ١٤٠ من طبعة كراجي باكستان): " حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، ثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة، وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها " وقال السيوطي في الدر المنثور في تفسير هذه الفقرة " وأمهاتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة " من آية ٢٣ من سورة النساء (ج ٢، ص ١٣٥): " وأخرج ابن ماجة عن عائشة قالت:
لقد نزلت آية الرجم، الحديث ". ونقله الإمام أحمد بن حنبل في مسنده هكذا (أنظر ج ٦، ص ٢٦٩): " حدثنا عبد الله، حدثني أبي ثنا يعقوب قال: ثنا أبي عن ابن إسحاق قال:
حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لقد أنزلت آية الرجم ورضعات الكبير عشرا " فكانت في ورقة تحت سريري في بيتي فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله تشاغلنا بأمره فدخلت دويبة لنا فأكلتها ".
وقال ابن قتيبة الدينوري في أواخر تأويل مختلف الحديث تحت عنوان:
" قالوا: حديث يدفعه الكتاب وحجة العقل " ما نصه (أنظر ص ٣٩٧ - ٤٠٤ من طبعة مصر سنة ١٣٢٦ ه، أو ص ٣١٠ - ٣١٥ من طبعة مصر سنة ١٣٨٦ ه):
" قالوا: رويتم عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: لقد نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشر فكانت في صحيفة تحت سريري عند وفاةرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما توفي وشغلنا به دخلت داجن للحي فأكلت تلك الصحيفة. قالوا: وهذا خلاف قول الله تبارك وتعالى: وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكيف يكون عزيزا وقد أكلته شاة وأبطلت فرضه وأسقطت حجته؟! وأي أحد يعجز عن إبطاله والشاة تبطله؟! وكيف قال: اليوم أكملت لكم دينكم وقد أرسل إليه ما يأكله؟! وكيف عرض الوحي لأكل شاة ولم يأمر بإحرازه و صونه؟! ولم أنزله وهو لا يريد العمل به؟!
قال أبو محمد: ونحن نقول: إن هذا الذي عجبوا منه كله ليس فيه عجب ولا في شئ مما استفظعوا منه فظاعة، فإن كان العجب من الصحيفة فإن الصحف في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلى ما كتب فيه القرآن لأنهم كانوا يكتبونه في الجريد والحجارة والخزف وأشباه هذا، قال زيد بن ثابت: أمرني أبو بكر - رضي الله عنه - بجمعه فجعلت أتتبعه من الرقاع والعسب واللخاف، والعسب جمع عسيب النخل، واللخاف حجارة رقاق واحدها لخفة، وقال الزهري: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن في العسب والقضم والكرانيف، والقضم جمع قضيم وهي الجلود، و الكرانيف أصول السعف الغلاط واحدها كرنافة، وكان القرآن متفرقا " عند المسلمين ولم يكن عندهم كتاب ولا آلات، يدلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكتب إلى ملوك الأرض في أكارع الأديم.
وإن كان العجب من وضعه تحت السرير فإن القوم لم يكونوا ملوكا فتكون لهم الخزائن والأقفال وصناديق الأبنوس والساج وكانوا إذا أرادوا إحراز شئ أو صونه وضعوه تحت السرير ليأمنوا عليه من الوطئ وعبث الصبي والبهيمة، وكيف يحرز من لم يكن في منزله حرز ولا قفل ولا خزانة إلا بما يمكنه ويبلغه وجده ومع النبوة التقلل والبذاذة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه ويخصف نعله ويصلح خفه ويمهن أهله ويأكل بالأرض ويقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكله العبد، وعلى ذلك كانت الأنبياء عليهم السلام - وكان سليمان عليه السلام وقد آتاه الله من الملك ما لم يؤت أحدا " قبله ولا بعده يلبس الصوف ويأكل خبز الشعير ويطعم الناس صنوف الطعام، وكلم الله موسى عليه السلام وعليه مدرعة من شعر أو صوف وفي رجليه نعلان من جلد حمار ميت فقيل له:
اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى، وكان عيسى عليه السلام يحتبل بحبل من ليف، وهذا أكثر من أن نحصيه وأشهر من أن نطيل الكتاب به.
وإن كان العجب من الشاة فإن الشاة أفضل الأنعام، وقرأت في مناجاة عزير ربه أنه قال:
اللهم إنك اخترت من الأنعام الضائنة ومن الطير الحمامة ومن النبات الحبلة، ومن البيوت بكة وأيلياء، ومن أيلياء بيت المقدس، وروى وكيع عن الأسود بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما خلق الله دابة أكرم عليه من النعجة فما يعجب من أكل الشاة تلك الصحيفة. وهذا الفأر شر حشرات الأرض يقرض المصاحف ويبول عليها، وهذا العث