يجيئ عشية عرفة على جمل أحمر عليه رداء هش 1، رواه أبو صالح عن أبي هريرة ثم قال أبو صالح: وا فضيحتاه.
١ - هذا الحديث معروف ومذكور في كثير من كتبهم بحيث صار كالمسلمات المفروغ عنها فالأولى أن نشير إلى كليات من عقائدهم من الكتب التي هي مآخذ لذكر العقائد المسلمة بين أهل الحل والعقد والرد والقبول فنقول:
قال العلامة الحلي في أوائل كشف الحق ونهج الصدق ما نصه (ص ٢٨ إحقاق الحق):
" البحث الثالث في أنه تعالى ليس بجسم أطبق - العقلاء على ذلك إلا أهل الظاهر كداود والحنابلة كلهم فإنهم قالوا: إن الله تعالى جسم يجلس على العرش ويفضل عنه من كل جانب ستة أشبار بشبره، وأنه ينزل في كل ليلة جمعة على حمار وينادي إلى الصباح:
هل من تائب، هل من مستغفر، وحملوا آيات التشبيه على ظواهرها، والسبب في ذلك قلة تمييزهم وعدم تفطنهم بالمناقضات التي تلزمهم إنكار الضروريات التي تبطل مقالتهم (إلى آخر كلامه، فمن أراده فليراجع إحقاق الحق للقاضي نور الله التستري ص ٢٨ من طبعة إيران) ".
وقال أيضا " العلامة لكن في منهاج الكرامة (ص 6 - 7):
" وقالت جماعة الحشوية والمشبهة: أن الله تعالى جسم له طول وعرض وعمق، وأنه يجوز عليه المصافحة، وأن الصالحين من المسلمين يعانقونه في الدنيا، وحكى الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوز رؤيته في الدنيا وأنه يزورهم ويزورونه وحكى عن داود الظاهري أنه قال: اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك، وقال: إن معبودهم له جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء كيد ورجل ولسان وعينين وأذنين، وحكى أنه قال: هو أجوف من أعلاه إلى صدره مصمت ما سوى ذلك وله شعر قطط حتى قالوا: اشتكت عيناه فعادته الملائكة، وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، وأنه يفضل من العرش من كل جانب أربع أصابع. وذهب بعضهم إلى أنه تعالى ينزل في كل ليلة جمعة على شكل أمرد حسن الوجه راكبا على حمار حتى أن بعضهم ببغداد وضع على سطح داره معلفا يضع كل ليلة جمعة فيه شعيرا " وتبنا " لتجويز أن ينزل الله على حماره على ذلك السطح فيشتغل الحمار بالأكل ويشتغل الرب بالنداء ويقول: هل من تائب هل من مستغفر، تعالى الله عن مثل هذه العقائد الردية في حقه تعالى.
وحكى عن بعض المنقطعين التاركين من شيوخ الحشوية أنه اجتاز عليه في بعض الأيام نفاط ومعه أمرد حسن الوجه قطط الشعر على الصفات التي يصفون ربهم بها فألح الشيخ بالنظر إليه وكرره وأكثر تصويبه إليه فتوهم فيه النفاط فجاء إليه ليلا " فقال: أيها الشيخ رأيتك تلح بالنظر إلى هذا الغلام وقد أتيتك به فإن كان لك فيه نية فأنت الحاكم فحرد الشيخ عليه وقال: إنما كررت النظر إليه لأن مذهبي أن الله تعالى ينزل على صورة هذا الغلام فتوهمت أنه الله تعالى فقال له النفاط: ما أنا عليه من النفاطة أجود مما أنت عليه من الزهد مع هذه المقالة ".
وقال أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين تحت عنوان " اختلاف الناس في التجسيم " ضمن ذكر أقوالهم ما نصه (ج 1 ص 261):
" وقال أهل السنة وأصحاب الحديث (إلى أن قال) وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
فقال محمد محيي الدين عبد الحميد وهو الذي طبع الكتاب بتحقيقه في ذيل الصفحة مشيرا " بقوله إلى ما ذكره الأشعري ما نصه:
" أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأستغفر له؟ أنظر الحديث رقم 1315 في الجزء الثاني ص 47 من سنن أبي داود بتحقيقنا، وانظر أيضا " موافقة صريح المعقول لابن تيمية (2 / 16 وما بعدها بتحقيقنا ".
قال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل تحت عنوان " المشبهة " ضمن ما قال (ص 48 من طبعة إيران سنة 1288):
" غير أن جماعة من الشيعة الغالية وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية صرحوا بالتشبيه (إلى أن قال) وأما مشبهة الحشوية فحكى الأشعري عن محمد بن عيسى أنه حكى عن مضر وكهمش وأحمد الهجيمي أنهم أجازوا على ربهم الملامسة والمصافحة وأن المخلصين من المسلمين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا في الرياضة والاجتهاد إلى حد الإخلاص والاتحاد المحض وحكى الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوز الرؤية في الدنيا وأن يزوروه ويزورهم وحكى عن داود الجواربي أنه قال: اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك، وقال: إن معبوده جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأذنين ومع ذلك جسم لا كالأجسام ولحم لا كاللحوم ودم لا كالدماء وكذلك سائر الصفات وهو لا يشبه شيئا " من المخلوقات ولا يشبهه شئ ويحكى عنه أنه قال: هو أجوف من أعلاه إلى صدره مصمت ما سوى ذلك وأن له وقرة سوداء وله. شعر قطط.
وأما ما ورد في التنزيل من الاستواء واليدين والوجه والجنب والمجيئ والإتيان والفوقية وغير ذلك فأجروها على ظاهرها أعني ما يفهم عند الاطلاق على الأجسام وكذلك ما ورد في الأخبار من الصورة في قوله عليه السلام: خلق الله آدم على صورة الرحمن وقوله:
حتى يضع الجبار قدمه في النار وقوله: قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، وقوله:
خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا " وقوله: وضع يده (أو كفه) على كتفي فوجدت (أو حتى وجدت) برد أنامله بين ثديي (أو على كتفي) إلى غير ذلك أجروها على ما يتعارف في صفات الأجسام وزادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها إلى النبي وأكثرها مقتبسة من اليهود فإن التشبيه فيهم طباع حتى قالوا: اشتكت عيناه فعادته الملائكة، وبكى على طوفان نوح عليه السلام حتى رمدت عيناه، وإن العرش ليأط من تحته كأطيط الرحل الجديد، وإنه ليفضل من كل جانب أربع أصابع، وروت المشبهة عن النبي - (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لقيني ربي فصافحني وكافحني ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في صدري (إلى آخر ما قال) ".
أقول: لا يسع المقام أكثر من ذلك وإلا لنقلنا أضعاف ما ذكرنا.