يروون أن النبي - صلى الله عليه وآله - قال: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر 1 [فهم
1 - نقله السيوطي في الجامع الصغير عن صحيح مسلم بهذه العبارة لكن المشهور بين الناس هكذا: " لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله " وهكذا نقله علم الهدى (ره) في أماليه المعروف بغرر الفرائد ودرر القلائد ونص عبارته هكذا (ج 1 ص 46 - 45 من طبعة إحياء دار الكتب العربية بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم):
" تأويل خبر - روي عن النبي - صلى الله عليه وآله - أنه قال: لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله، وقد ذكر قوم في تأويل هذا الخبر أن المراد به لا تسبوا الدهر فإنه لا فعل له وأن الله مصرفه ومدبره، فحذف من الكلام ذكر المصرف والمدبر وقال: هو الدهر. وفي هذا الخبر وجه هو أحسن من ذلك الذي حكيناه.
وهو أن الملحدين ومن نفى الصانع من العرب كانوا ينسبون ما ينزل بهم من أفعال الله تعالى كالمرض والعافية والجدب والخصب والبقاء والفناء إلى الدهر جهلا منهم بالصانع جلت عظمته ويذمون الدهر ويسبونه في كثير من الأحوال من حيث اعتقدوا أنه الفاعل بهم هذه الأفعال فنهاهم النبي - صلى الله عليه وآله - عن ذلك وقال لهم: لا تسبوا من فعل بكم هذه الأفعال ممن تعتقدون أنه هو الدهر فإن الله تعالى هو الفاعل لها وإنما قال: إن الله هو الدهر من حيث نسبوا إلى الدهر أفعال الله وقد حكى الله تعالى عنهم قولهم: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (الجاثية: 24) وقال لبيد:
في قروم سادة من قومه * نظر الدهر إليهم فابتهل أي دعا عليهم وقال عمرو بن قمئة (فأورد سبعة أبيات منه وقال).
وقال الأصمعي: ذم أعرابي رجلا فقال: هو أكثر ذنوبا " من الدهر (إلى أن قال بعد الاستشهاد بأشعار آخر).
وقال آخر فاستأثر الدهر الغداة بهم * والدهر يرميني وما أرمي يا دهر قد أكثرت فجعتنا * بسراتنا ووقرت في العظم وقال بعد أن بين معنى " وقرت في العظم ":
وكل هؤلاء الذين روينا أشعارهم نسبوا أفعال الله التي لا يشاركه فيها غيره إلى الدهر فحسن وجه التأويل الذي ذكرناه ".
أقول: يشبه مضمون هذه الأبيات في نسبة الحوادث إلى الدهر قول من قال بالفارسية:
" روز گار است آنكه گه عزت دهد گه خوار دارد چرخ بازيگر از اين بازيچه ها بسيار دارد "