وقد روى البلاذري في مثل ذلك في فتوح البلدان.
وفي رواية إن عمر قال له: هل علمت من حين إني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين، ثم بلغني انك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار.
قال: كانت لنا أفرس تناتجت وعطايا تلاحقت.
قال: قد حسبت لك رزقك ومؤونتك، وهذا فضل فأده.
قال: ليس لك ذلك.
قال له عمر: بلا والله، وأوجع ظهرك. ثم قال إليه بالدرة فضربه حتى أدماه.
ثم قال له: إيت بها.
قال: احتسبتها عند الله.
قال: ذلك لو أخذتها (من حلال!) وأديتها طائعا، أجئت من أقصى حجر بالبحرين يجبى الناس لك؟ لا لله ولا للمسلمين، ما رجعت بك أميمة إلا لرعية الحمر!
وما أجود ما قاله الأستاذ أبو رية في كتابه أضواء على السنة المحمدية:
وإذا كان قد بلغ من فاقة أبي هريرة وجوعه أن يخر مغشيا عليه، فيضع الناس أرجلهم على عنقه! فهل تراه يدع دولة بني أمية ذات السلطان العريض والأطعمة الناعمة، وينقلب إلى علي الزاهد الفقير الذي كان طعامه القديد؟ إن هذا لمما تأباه الطباع الإنسانية، ولا يتفق والغرائز النفسية! اللهم إلا من عصم ربك، وقليل ما هم.
ولقد عرف بنو أمية صنيعه معهم، وقدروا موالاته لهم، فأغدقوا عليه من أفضالهم، وغمروه برفدهم وأعطيتهم! فلم يلبث أن تحول حاله من ضيق إلى سعة، ومن شغف العيش إلى دعة، ومن فقر إلى ثراء، وبعد أن كان يستر جسمه بنمرة بالية صار يلبس الخز والكتان الممشق (1).
وعقب على كل ما مر بأن الفقر بذاته ليس عيبا، وإنما يكون الفقر عيبا إذا