يتعلمون القرآن، بل علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة.
وكان أعظم الناس في ذلك القراء المراؤون الذين يظهرون الخشوع والنسك ويفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوه ورووها وهم يظنون إنها حق، ولو علموا إنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها (1).
وقد ورث معاوية عن أبيه قسوته وكيده ودهاءه، ولم تكن أم معاوية بأقل من أبيه تنكرا للإسلام وبغضا لأهله وحفيظة عليهم، وهم قد وتروها يوم بدر فثأر لها المشركون يوم أحد، ولكن ضغنها لم يهدأ وحفيظتها لم تسكن، حتى فتحت مكة فأسلمت كارهة كما أسلم زوجها كارها وكما أسلم كذلك ابنها معاوية بعد إسلام أبيه كارها.
وهند هذه هي التي أغرت وحشيا بحمزة عم النبي حتى قتله ثم أعتقته، ولما قتل حمزة بقرت بطنه، ولاكت كبده، وفعلت فعلتها بجثته!
وإذا كان معاوية قد ورث بغض علي عن آبائه - مما حدثناك عنه - فإن هناك أسبابا أخرى تسعر من نار هذا البغض، منها إن عليا قتل أخاه حنظلة يوم بدر، وخاله الوليد بن عتبة وغيرهما كثيرين من أعيان وأماثل عبد شمس. ومن أجل ذلك كان معاوية أشد الناس عداوة لعلي يتربص به الدوائر دائما، ولا يفتأ يسعى في الكيد له سرا وعلانية، قولا وفعلا (2).
قال أبو جعفر الإسكافي: إن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه .