ولكن نحن أنكرنا أماريتها وبنينا على أنها من الأصول المحرزة، فلا يمكننا القول بتقديمها على الاستصحابات العدمية من جهة حكومة الأمارات على الأصول، ولابد من القول بوقوع التعارض، لأن كليهما من الأصول المحرزة ولكن مع ذلك كله يمكن أن يقال أن مدرك حجية أصالة الصحة إما الإجماع كما يقول به شيخنا الأستاذ (قدس سره) (1) وإما بناء العقلاء وسيرتهم من كافة الأمم، سواء كانوا مسلمين أولم يكونوا كذلك.
فعلى الأول فلا بد وأن ينظر في الإجماع، وأنه هل لمعقده إطلاق - بحيث يشمل موارد الاستصحابات الموضوعية العدمية في غير الشرائط التي دخيلة في تحقق عنوان المعاملة عرفا، إذ في الشك فيها لا مجال لجريان أصالة الصحة كما تقدم بيان ذلك تفصيلا - أم لا؟ فإن كان لمعقده إطلاق يشمل تلك الموارد، فأيضا لا يبقى للاستصحابات الموضوعية مجال، إذ إطلاق معقد الإجماع مثل الإطلاق الدليل اللفظي حاكم على الاستصحاب.
وأما إن كان المدرك لحجية أصالة الصحة هو بناء العقلاء وسيرتهم - كما اخترناه - فالظاهر أيضا تقدمها على تلك الاستصحابات.
بيان ذلك: أن سيرة العقلاء إذا قامت على شئ فعدم ردع الشارع كاف في الإمضاء، فحينئذ لابد من أن ننظر إلى دليل الاستصحاب وأنه هل صالح لأن يردع هذه السيرة أم لا؟
فنقول: لا شك في أن الاستصحاب وظيفة عملية مجعولة للشاك المتحير، فإذا قامت سيرة العقلاء في مورد الشك في صحة معاملة إذا كان منشأ الشك فقد شرط أو وجود مانع لا دخل لها في تحقق عنوان المعاملة عرفا، سواء كانت من شرائط العقد، أو من شرائط العوضين، أو من شرائط المتعاقدين فلا يرى نفسه متحيرا شاكا، بمعنى