وعن احتجاج أبي حنيفة بالفرق بين زكاة المال وزكاة الفطرة لان السبب هناك ملك النصاب وقد حصل في الحول كله فجاز اخراجها فيه وزكاة الفطرة سببها الفطرة بدليل إضافتها إليه ولان المقصود إغناء الفقراء هناك في الحول وإغنائهم هنا في هذا اليوم. * مسألة: ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد اختيارا فإن أخرها أثم وبه قال علماؤنا أجمع والشافعي وقال أحمد يجوز تأخيرها عن الصلاة ويحرم بعد يوم العيد وقال النخعي وابن سيرين يجوز تأخيرها عن يوم العيد وقال أبو حنيفة ومالك بمثل قول أحمد. لنا: قوله عليه السلام أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم وهو لا يحصل بالتأخير عن يوم العيد ولا عن الصلاة لفوات بعض اليوم. ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القسم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ قال: قبل الصلاة يوم الفطر ولأنه تأخير للواجب عن وقته فكان حراما والأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة وتحريم التأخير عن يوم العيد لما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ قال: قبل الصلاة يوم الفطر قلت فإن بقي منه شئ بعد الصلاة فقال لا بأس نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه نعم الاخراج قبل الصلاة أولى لما تضمنه الحديث من الأولوية ولقول أبي عبد الله عليه السلام في رواية إبراهيم بن ميمون الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهو فطرة وإن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة لا يقال قد روى الشيخ عن الحارث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بأن تؤخر الفطرة إلى هلال ذي القعدة لأنا نقول إنها ضعيفة السند وهي شاذة لم يعمل بها أحد من علماؤنا فلا تعويل عليها ولأنها محمولة على المنتظر للمستحق قاله الشيخ. * مسألة: ولو لم يتمكن من اخراجها يوم العيد لم يأثم بالتأخير بالاجماع لعدم التمكن الذي هو شرط في التكليف ثم لا يخلو أما أن يكون قد عزلها فأخرجها مع الامكان لأنها قد تعينت للصدقة فلا يسقط بفوات وقتها كما لو عدم المستحق في زكاة المال ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في الفطرة إذا عزلتها فلا يضرك من أعطيتها قبل الصلاة وبعد الصلاة وإن لم يكن قد عزلها ففيها لأصحابنا مثله أقوال أحدها السقوط وبه قال الحسن بن زياد، وثانيها: أنها يكون قضاء ذهب إليه الشيخان وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد، وثالثها: يكون أداء دائما واختاره ابن إدريس والأقرب عندي مذهب الشيخين. لنا: عدم السقوط أنه حق ثابت في الذمة للفقراء فيسقط بخروج وقته كالدين وزكاة المال وعلى كونها قضاء أنها عبادة مؤقتة فات وقتها وفعلت بعد فواته فيكون قضاء احتج القائلون بالسقوط بأنها حق مؤجل فيسقط لفواته كالأضحية ولان الامر لا يقتضي القضاء إلا بأمر متجدد ولقوله عليه السلام هي قبل الصلاة زكاة مقبولة بعد الصلاة صدقة من الصدقات وهو يدل على أنها ليست زكاة بعد الصلاة بل صدقة مستحبة واحتج القائلون بكونها أداء بأنها زكاة تجب بوقتها فلا يكون قضاء بفواته كزكاة المال. والجواب عن الأول: بالمنع من السقوط بعد الفوت لتحقق شغل الذمة ولم يثبت المسقط وعن الثاني:
أن الجواز إن كان ذلك لكن الاحتياط يقتضي عدم السقوط وهذا الوجه قوي، وعن الثالث: بالمنع من كونها مستحبة وكونها صدقة لا ينافي وجوبها ومنع كونها زكاة لان ثوابها يقضي عن ذلك، وعن الرابع: امتداد وقتها إلى العسر ينافي تضييقها عند الصلاة وقد أجمعوا على ذلك ولأنها لو أمتد وقتها لوجبت أو استحب على من بلغ أو أسلم بعد الزوال كما تجب الصلاة على من أسلم أو بلغ في وقتها. فروع: [الأول] يصح العزل إذا عزلها المالك كزكاة المال. [الثاني] لو عزلها ولم يخرجها فإن لم يجد المستحق لم (يعتن) بالتأخير وإن وجده ضمن وكذا لو لم يجد أولا ثم وجده وأخرها مع المكنة وقال أحمد يضمنها مطلقا وليس بمعتمد لان القدر مبيح للتأخير فلا يضمن معه. [الثالث] يجوز له نقلها إلى غير بلده مع عدم المستحق إجماعا ومع وجوده على الخلاف أن يضمن معه لو تلفت ويجوز أن يخرجها عن الغائب عنه وإن كان الأفضل اخراجها من بلد المال وتفريقها. {البحث الخامس} في المستحق، * مسألة: وتصرف الزكاة إلى من يستحق زكاة المال وهم ستة أصناف الفقراء والمساكين والغارمين وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل لأنها زكاة فتصرف إلى من يصرف إليه سائر الزكاة ولأنها صدقة فتدخل فيه تحت قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء) الآية. * مسألة: ولا يجوز صرفها إلى غير المستحق لو كان المال فلا يدفع إلى الذمي إجماعا منا وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة يجوز أن يعطى منها مع وقوع الاتفاق على أن الحربي لا يعطى شيئا تصدقوا على أهل الأديان ولأنها صدقة ليس للامام فيها حق القبض فجاز صرفها إلى أهل الذمة كالتطوع. والجواب عن الأول: بالمنع من الرواية أولا ويحملها على صدقة التطوع ثانيا وعلى زكاة المال أخرى لأنهم من المؤلفة ثالثا وعن الثاني: بأن الجامع عدمي فلا يصح للعلية والنقض بالأموال الباطنة وبأن التطوع يجوز صرفها إلى الحربي إجماعا وهذا يجوز صرفها إليه. * مسألة: لا يجزي أن يعطى غير المؤمن من الفطرة سواء وجد المستحق أو فقده وينتظر بها ويحملها من بلده مع عدمه إلى الآخر ولا يعطى المستضعف خلافا للشيخ رحمه الله ولو لم يجد المستحق لم يضمن بالتأخير مع وجود المستضعف وقد سلف بيان ذلك في مستحق زكاة المال قال الشيخ رحمه الله فإن لم يوجد مستحق من أهل المعرفة جاز أن يعطي المستضعف من غيرهم ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له إلا عند التقية أو عدم المستحق من أهل المعرفة والأفضل أن يعطي الانسان من يخاف من غير الفطرة في مواضعها والحق ما ذكرناه أولا. * مسألة: ويجوز صرفها إلى واحد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي يجب صرفها في الأصناف الستة وأقل كل صنف ثلاثة نفر وقد تقدم البحث في ذلك ويجوز للجماعة صرف صدقتهم إلى الواحد دفعة وعلى التعاقب ما لم يبلغ على حد الغناء بالاجماع ولو أخرجها إلى المستحق فأخرجها أخرها إلى واضعها أو جمعت الصدقة عند الامام ففرقها إلى المستحقين فرجعت صدقة واحدة إليه لم يكن به بأس وهو يأتي على قولنا بالاستحباب وعلى قول ابن الجنيد هنا ومن تبعه من المخالفين