وخاف عليها التلف قبل إيصالها إلى المستحق أو كان التفريق مخوفا أو احتاج في نقله إلى موته يستوعبه فأما لغير عذر فلا يجوز لقوله عليه السلام لمعاذ بن جبل أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ولما بعث أمير المؤمنين عليه السلام المصدق قال له ثم أخذ ما اجتمع عندك من كل باد إلينا يصير حيث أمر الله عز وجل ولما عدل عن البيع الذي هو أرفق إلى الأشق دل على أن الواجب ذلك أما مع العذر فلا بأس لأجل الضرورة وقد روى الشيخ رحمه الله عن محمد بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام بيع الصدقة وهو محمول على ما قلناه إذا ثبت هذا فإن باع لا للضرورة لم يصح البيع فإن كانت العين باقية استرجعت وإن نقصت ضمن المشتري الأرش وإن كانت تالفة ضمن المشتري المثل فإن تعذر أو لم يكن مثليه ضمن القيمة. {البحث الثالث} في النية ذهب العلماء كافة إلا الأوزاعي إلى أن النية شرط في أداء الزكاة لقوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات ولان الزكاة عبادة فتفتقر إلى النية لقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) ولأنها عبادة تشتمل على الواجب والندب فافتقرت إلى النية كالصلاة والصوم ولان الدفع يحتمل وجوبها فلا يقع على أحدنا إلا بالنية احتج الأوزاعي بأنها دين فلا يفتقر إلى النية كسائر الديون ولان ولي اليتيم يخرجها و الحاكم من الممتنع والجواب الفرق بين الدين والزكاة من حيث أن الزكاة عبادة بخلاف الدين وإن تعلق به حق الله ولهذا يسقط بإسقاط المالك ولان الدين يتعين للمالك فيكفي قبضه بخلاف الزكاة فإنها لا تتعين للقابض والولي والحاكم ينويان في النية عند الحاجة. * مسألة:
والنية إرادة تفعل بالقلب متعلقة بالفعل المنوي على ما سلف بيانه فإذا اعتقد عند الدفع أنها زكاة واعتقد التقرب إلى الله تعالى كفاه ذلك وكذا ينوي عن غيره كالولي والحاكم والوكيل ولا بد في النية من القصد إلى الذمة لأنه شرط في العبادة ومن القصد إلى الوجوب أو الندب لان الفعل صالح لهما فلا يتخلص أحدهما إلا السنة ومن القصد إلى كونها زكاة مال أو فطرة للاشتراك في الصلاحية فلا بد من ما يزد لا يفتقر إلى تعيين المال بأن يقول هذه زكاة مالي الفلاني إجماعا. * مسألة: إذا دفع المالك الزكاة بنفسه وجبت النية لما تقدم ولو دفعها إلى الامام ونوى وقت الدفع إلى الامام أجزأت ذلك أيضا لان الامام كالوكيل للفقراء وكذا لو دفعها إلى الساعي سواء نوى الامام أو الساعي حال الدفع إلى الفقراء أو لم ينو ولو دفع المالك الزكاة إلى وكيل له ليفرقها ونوى حال الدفع إليه ونوى الوكيل حال الدفع إلى الفقراء أجزء إجماعا لوقوع العبادة على وجهها ولو نوى الوكيل حالة الدفع ولم ينو المالك قال الشيخ لم يجز عنه لان الوكيل ليس بمالك والفرض يتعلق بالمالك والاجزاء يقع عنه وعندي فيه توقف ولو نوى الموكل حال الدفع إلى الوكيل ولم ينو الوكيل حال الدفع إلى الفقراء فقال الشيخ لم يجز عنه لان المقاربة معتبرة والوكيل غير مستحق فلا تؤثر النية في الدفع إليه. * مسألة: ولو أخذ الامام أو الساعي الزكاة ولم ينو المالك فإن أخذها كرها أجزأه وذلك لان النية تعذرت في حقه فصار بحكم الطفل والمجنون من سقوط النية في حقه ولان للامام الولاية على الممتنع فقام نيته مقام نيته كولي الطفل والمجنون وقال بعض الجمهور ولا يجزي إذا أخذها كرها فإن جاز أخذها لأنها عبادة وجواز أخذها كالصلاة فإنه تجير للمتنع عليها وإن لم يجزه إذا لم ينو في نفسه وهو ضعيفة لان الزكاة حق مال في يد المالك للفقراء وللامام الاخبار على قسمة المشترك وتسليمها فجاز له إفراد بها امتناع المالك وتصح النيابة في تسليمها بخلاف الصلاة ولأنها لو لم يجز لم يجز له أخذها أو وجب عليه أخذها ثانية وثالثة حتى يتعدى ماله لان الاخذ إن كان للأجر فهو لا يحصل بدون النية وإن كان لوجوبها فالوجه باق أما إذا أخذها طوعا ولم يتغير المالك فقد قال الشيخ لا يجزيه فيما بينه وبين الله تعالى غير أنه ليس للامام مطالبته بها دفعة ثانية وقال الشافعي يجزيه. لنا: أنها عبادة تفتقر إلى النية ولان الامام نائب عن الفقراء والنية معتبرة إذا رفع المالك إليهم فكذا إلى نائبهم احتج الشافعي بأن الامام بمنزلة القاسم بين الشركاء فلا يفتقر إلى النية ولان له ولاية على الاخذ ولهذا يأخذ من الجميع والجواب كونه بمنزلة القاسم لا يخرج الزكاة عن العبادة وهو المقتضي لوجوب النية والولاية لا يمنع من وجوب النية أيضا وما ذكره الشافعي قوي لان الاحرام لو لم يتحقق لا جاز للامام أخذها أو لأحدها دائما والقسمان باطلان وقد تقدم بيان الملازمة ولان الامام كالوكيل وهذه عبادة تصح فيها النيابة فاعتبرت نية النائب كالحج. * مسألة: وتجب مقارنة النية للدفع وقال أحمد يجوز تقديمها على الفعل بالزمان اليسير وقال أبو حنيفة يجوز تقديمها مطلقا وللشافعي وجهان. لنا: أنها عبادة ذات وجوه مختلفة لا يتميز أحدها عن صاحبه إلا بالنية وقت الدفع فلا اعتبار بما تقدم لأنه إن استدام عليه فهو المطلوب وإلا فلا الدفع عن النية احتج المخالف بأنها عبادة يجوز فيها النيابة بغير عذر فجاز تقديم النية عليها ولان ذلك يؤدي إلى تقرير المالك بماله لان النيابة جائزة والحاجة إليها (ماسة) فإذا دفع الزكاة إلى وكيله توقف الاجزاء على نية الوكيل والجواب عن الأول: بالمنع من كون ما ذكروه علة، وعن الثاني: بأنه لا تقرير مع القول بضمان الوكيل إذا لم يحصل فيه النية ولو نوى بعد الدفع ففي الاجزاء نظر.
* مسألة: ولو تصدق بجميع ماله ولم ينو شيئا منه الزكاة لم يجزه وبه قال الشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة (جزيه) استحسانا. لنا: أنه لم يؤد الواجب على ما أمر به فلا يكون مجزيا كمن صلى مئة ركعة بنية التطوع فإن الفرض لا يسقط عنه ذلك احتجوا بأنه تصرف تصرفا لم يتعد به فلا يضمن الزكاة والجواب: المنع من عدم التعدي لان الواجب عليه التصدق بالزكاة بنية الفرض فإذا نوى به التطوع فلو تعدى ولو تصدق ببعضه قال محمد بن الحسن أجزأ عن زكاة ذلك البعض وقال أبو يوسف لا يجزيه احتج أحمد بأنه لو تصدق بجميعه أجزأ عن جميعه فإذا تصدق بعضه أجزأ عن ذلك البعض