التحري إن كانت نجاسته ظاهرية وجوز أبو حنيفة التحري بشرط غلبة الطاهر أما مع المساواة والأقلية فلا وهو إحدى الروايتين عن أحمد وما اخترناه مذهب المزني وأبي ثور وأحمد في إحدى الروايتين وهو أيضا مذهب أكثر الصحابة وقال ابن الماجشون ومحمد بن مسلم لا يتحرى ويتوضى بكل واحد منهما ويصلي بعد أن يغسل بالثاني ما أصابه من الأول. لنا: ما رواه الشيخ عن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس بقذر على ماء غيره قال: يهرقهما جميعا ويتيمم وما رواه سماعة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال: يهرقهما به ويتيمم وسماعة وعمار وإن كانا ضعيفين إلا أن الأصحاب تلقت هذين الحديثين بالقبول وأيضا شهدوا لهما بالثقة ولان الصلاة بالماء النجس حرام فالاقدام على ماء لا يؤمن معه أن يكون نجسا إقدام على ما لم يؤمن معه فعل الحرام فيكون حراما ولأنه متيقن لوجوب الصلاة فلا يزول إلا بمثله لما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال قال ولا تنقض اليقين أبدا بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر ولأنه لو جاز الاجتهاد لجاز في الماء والبول والماء المضاف كماء الورد ولا يجوز هنا إجماعا فلا يجوز هناك اعتذر أصحاب الشافعي بأن البول لا أصل له في الطهارة والجواب هذا الماء قد زال عنه أصل الطهارة فلم يبق للأصل أثر ولان البول قد كان ما فعله أصل في الطهارة وأيضا لو جاز التحري لجاز التحري في الميتة والمذكاة والمحرم والأجنبية والتالي باطل إجماعا فكذا المقدم ووجه الملازمة في الثابت أن الاجتهاد طريق صالح لتعين المجتنب عنه من غيره والتخصيص بحكم وأيضا لو جاز الاجتهاد لما جاز الاجتهاد هنا ولزم جواز استعمال تيقن (متيقن) النجاسة والتالي بقسميه باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أنه لو اجتهد وقت تنجس أحد الإنائين ثم اجتهد وقت الظهر في الآخر فإما أن يعمل بالاجتهاد الثاني أو لا وعلى التقدير الأول يلزم ما ذكرناه ثانيا وعلى (الثاني)؟ يلزمه الأول وأما بطلان قسمي التالي فبالاجماع في الثاني وبالعقد الدال على امتناع ما أرى ثبوته إلى انتفائه في الأول احتج الشافعي بأنه شرط الصلاة فجاز التحري من أصله كما لو اشتبهت القبلة ولان الطهارة تؤدي باليقين تارة أو بالظن أخرى ولهذا جاز الوضوء بالماء القليل المتغير الذي لا يعلم سبب تغيره والجواب القبلة يباح تركها حالة الضرورة في السفر في النفل اختيارا ولان القبلة التي توجه إليها مبنية على الظن ولو بان له يقين الخطأ لم يلزمه الإعادة والمتغير من غير سبب يجوز الوضوء به عملا بأصالة الطهارة وإن عارضه ظن النجاسة وهنا عارضه يقين النجاسة ولهذا لا يحتاج في القليل إلى التحري بخلاف التنازع. فروع [الأول] حكم ما زاد على الإنائين في المنع من التحري سواء كان هناك أمارة أو لم يكن وسواء كان الطاهر هو الأكثر وبالعكس أو تساويا سواء كان المشتبه بالطاهر نجسا أو نجاسة أو ماء مضافا ولو انقلب أحدهما لم يجري التحري أيضا لأنه ظن فلا يرفع لعين النجاسة ووافقنا الشافعي إلى عدم التحري إذا كان في أحد الإنائين نجاسة كالبول لأنه ليس له أصل في الطهارة سواء زاد عدد الطاهر أو لا وقال أبو حنيفة إن زاد عدد الطاهر جاز قالت الشافعية لو أدى اجتهاد أحد الرجلين إلى طهارة إناء والآخر إلى طهارة آخر صلى كل منهما منفردا ولا يجوز الايتمام لأنه معتقد فساد طهارة إمامه فلو كانت الأواني خمسة واستعمل كل ما أدى إليه اجتهاده فإن كان الطاهر واحدا صلى كل منهم منفردا فإن صلوا جماعة لم يصح وإن كان النجس واحدا صحت صلاتهم جماعة فلو صلوا الخمس جماعة وأم كل واحد منهم في واحدة وكل من صلى إماما صحت صلاته وكل صلاة صلاها وهو مأموم فيها صحيحة إلا الصلاة الأخيرة فإمام المغرب أيضا لا يصح له صلاة المغرب لأنه يزعم أنه تطهر بالماء الطاهر وكذا إمام الصبح والظهر والعصر فتعين استعمال الماء النجس بحكم اقتدائه بمن قبله في حق إمام المغرب وعلى الباقي إعادة صلاة العشاء لما ذكرناه وهذا عندنا ساقط لأنا نوجب التيمم. [الثاني] لو كان أحدهما متيقن الطهارة والآخر مشكوك النجاسة كما لو انقلبت أحد المشتبهين ثم اشتبه الباقي بمتيقن الطهارة وكذا لو اشتبه الباقي بمتيقن النجاسة وجب الاجتناب. [الثالث] لو خاف العطش أمسك أيهما شاء لاستوائهما في المنع وخائف العطش يجوز أن تمسك (يمسك) النجس فالمشكوك أولى ويجوز له أن يستعمل أيهما شاء ولا يلزمه التحري لأنه مضطر فساغ له التناول ولو لم يكونا متيقنين شرب الطاهر وتيمم ولو خاف العطش في ثاني الحال حبس الطاهر لان وجود النجس كعدمه عند الحاجة إلى الشرب في الحال فكذا في الماء (في الحال الثاني) وخوف العطش في إباحة التيمم كحقيقته وهو قول بعض الحنابلة وقال بعضهم يحبس النجس لأنه ليس بمحتاج إلى شربه في الحال فلم يجز التيمم مع وجوده. [الرابع] لو استعمل الإنائين وأحدهما نجس مشتبه وصلى لم تصح صلاته ولم يرتفع حدثه سواء قدم الطهارتين أو صلى بكل واحد صلاة لأنها ماء يجب اجتنابه فكان كالنجس وكذا لو استعمل أحدهما وصلى به لم تصح صلاته ووجب عليه غسل ما أصابه المشتبه بماء متيقن كالنجس وهو أحد وجهين الحنابلة والآخر لا يجب غسله لان المحل طاهر بيقين فلا يزول بشك النجاسة والجواب لا فرق في المنع بين يقين النجاسة وشكها هنا بخلاف غيره أما لو كان أحدهما ماء والآخر مضافا قال الشيخ يطهر بهما وهو حسن خلافا لابن إدريس وقال الجمهور كافة بمثل قول الشيخ لأنه يمكنه إذا فرضه بيقين من غير حرج فيه فوجب عليه ولو احتاج إلى أحدهما للشرب أبقاه وتوضئ بالآخر وتيمم وكذا لو صب أحدهما ليحصل له يقين البراءة. لنا: أنه متمكن من تحصيل الطهارة ولم يتناوله المنع فوجب عليه الفعل. [الخامس] لو كان معه ماء متيقن الطهارة لم يجز له التحري سواء كان الاشتباه
(٣٠)