من حشرات الأرض فإن عامة أهل العلم من أصحابه والتابعين من أهل المدينة والشام وأهل الكوفة وأصحاب الرأي على طهارتها وجواز شرب سؤرها والوضوء به وكره أبو حنيفة سؤر الهر وكذا ابن عمر ويحيى الأنصاري وابن أبي ليلى وقال أبو هريرة يغسل مرة أو مرتين وبه قال ابن المسيب وقال الحسن وابن سيرين: يغسل مرة وقال طاوس: يغسل سبعا كالكلب وما تقدم يبطل ذلك كله وما نقلنا عن الشيخ في المبسوط ضعيف للأحاديث التي نقلناها واستدل في التهذيب على نجاسة سؤر الكلب والخنزير بما رواه عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: كلما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره قال وهذا يدل على أن ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الوضوء منه ولا الشرب والظاهر أن ما صار إليه في المبسوط مستند إلى هذا وهو ضعيف من وجهين، {الأول} إن عمارا فطحي وكذا الراوي عنه وهو مصدق بن صدقة وكذا الراوي عن مصدق وهو عمرو بن سعيد وكذا الراوي عن عمر وهو أحمد بن الحسن بن علي فلا تعارض الروايتين التي قدمناها. {الثاني} إن ما ذكره الشيخ دليل الخطاب فلا يجوز التعويل عليه خصوصا مع النص المعارض واحتج أبو حنيفة على نجاسة سؤر سباع الوحش لان لعابه نجس بدليل حرمة أكله مع كونه صالحا للفداء من غير استحقاقه الكراهة والاحترام وإذا كان لعابه نجسا وقد امتزج بالماء أوجب نجاسته وخص ما ورد من الحديث بالحياض الكبيرة والجواب عنه بالمنع من نجاسة اللعاب وتحريم أكل اللحم لا يدل على النجاسة فإن التحريم قد يكون للنجاسة وقد يكن لاشتماله على المؤذي وقد يكون لمصالح آخر خفية علينا فكيف يعارض النص بمثل هذا الاستدلال الضعيف على أنا نقول حيوان يطهر جلده بالدباغ فيكون سؤره طاهرا كالشاة والحمار والجامع أن طهارة الجلد يدل على أن عينه ليست نجسة فلا يكون لحمه نجسا وتخصيص الحديث لغير دليل باطل خصوصا مع أن السؤال عن الجمع المحلى بالألف واللام الموضوع للعموم فلو لم يكن الجواب بحيث يدخل فيه كل الافراد لكان تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك باطل بالاتفاق واستدل من قال بنجاسة سؤر الحمر بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال يوم الخيبر في الحمر: أنه رجس وهو ضعيف فإن البخاري قال راوي هذا الحديث ابن أبي حنيفة وهو منكر الحديث وإبراهيم أبي يحيى وهو كذاب فلا يعول عليه فروع [الأول] قال ابن بابويه لا يجوز الوضوء بسؤر ولد الزنا والذي يراه (نراه) أنه مكروه فإن تمسك بكفره منعنا ذلك ويمكن أن يستدل عليه بما رواه محمد بن يعقوب بإسناده عن الوشا عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع) أنه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني والمشرك وكل ما خالف الاسلام وكان أرشد ذلك عنده سؤر الناصب ووجهه أنه لا يرد بلفظه كره المعنى الظاهر له وهو النهي عن الشئ نهي تنزيه لقوله واليهودي فإن الكراهية فيه تدل على التحريم فلم يبق المراد إلا كراهة التحريم ولا يجوز أن يرادا معا وإلا لزم استعمال المشترك في كلا معنييه أو استعمال اللفظ في معنى الحقيقة والمجاز وذلك باطل والجواب المنع من الحديث فإنه مرسل سلمنا لكن قول الراوي كره ليس إشارة إلى النهي بل الكراهة التي في مقابلها الإرادة وقد يطلق على ما هو أعم من المحرم والمكروه سلمنا لكن الكراهة قد يطلق على النهي المطلق فليحمل عليه وإلا يلزم ما ذكرتم.
[الثاني] قال الشيخ بنجاسة سؤر المجبرة والمجسمة وقال ابن إدريس بنجاسة غير المؤمن والمستضعف ويمكن أن يكون مأخذهما قوله تعالى: (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) والرجس النجس وقول ابن إدريس مشكل وتنجيس سؤر المجبرة ضعيف وفي المجسمة قوة. [الثالث] يكره سؤر ما أكل الجيف من الطير إذا خلا موضع الملاقاة من عين النجاسة وهو قول السيد المرتضى. لنا: ما أوردناه من الأحاديث العامة في استعمال سؤر الطيور والسباع وهي لا ينفك عن تناول ذلك عادة فلو كان ذلك مانعا وجب التنصيص عليه وإلا لزم صرف الظاهر إلى نادر ولا دلالة للفظ الشامل عليه وذلك بعيد ومحال من حيث إنه تأخير للبيان عن وقت الحاجة وهكذا سؤر الهرة وإن أكلت الميتة ثم شربت قل الماء أو كثر غابت من العين أو لم تغب لعموم الأحاديث المبيحة ولان النبي (ص) نفى عموم النجاسة عنها مطلقا اللهم إلا أن يكون أثر النجاسة ظاهرا على المنقار أو الفم أو نشاهد في الماء وعند الشافعية والحنابلة وجهان: {أحدهما} مثل قولنا. {والثاني} إن لم تغب فالماء نجس وهو ظاهر نص الشافعي وإن غابت ثم عادت فشربت فوجهان، {أحدهما} التنجيس لان الأصل بقاء النجاسة. {والثاني} الطهارة لأصالة طهارة الماء ويمكن أن يكون وردت حال غيبوبتها على ماء كثير [الرابع] يكره سؤر الحائض إن كانت متهمة وهو اختيار الشيخ في النهاية وأطلق في المبسوط. لنا: ما رواه الشيخ عن عيص بن القسم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سؤر الحائض قال: لا يتوضى منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة وتغسل يدها قبل أن تدخلها الاناء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل هو وعائشة في إناء واحد يغتسلان جميعا ورواه محمد بن يعقوب في الصحيح عن العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن سؤر الحائض قال لا يتوضى منه وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة ويغسل يديها قبل أن يدخلها في الاناء وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل هو وعائشة في إناء واحد يغتسلان جميعا وروي في الحسن عن الحسين بن أبي العلا قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض يشرب سؤرها قال:
نعم ولا يتوضأ وهذا يدل على الكراهية لأنه إن كان طاهرا جاز الوضوء منه وإلا لم يجز الشرب ومثله روى عنبسة بن مصعب وأيضا مع التهمة يتطرق تحرير النجاسة فيكره الاستعمال احتياطا للعبادة. [الخامس] ذهب بعض أصحابنا إلى أن لعاب المسوخ كالقرد والدب والثعلب والأرنب نجس وقال الشيخ (ره) المسوخ نجس وهو عندي ضعيف. لنا: رواية الفضل ولان الأصل الطهارة وحكم السؤر حكم اللعاب ويكره سؤر الدجاج لعدم انفكاكها من استعمال النجاسة ولا بأس بسؤر الفأرة والحية وكذا لو وقعتا في الماء وخرجتا وقال في النهاية الأفضل ترك استعماله. لنا: ما رواه إسحاق بن