ولأنه لا ينفك الانسان عن ملاقاته أما من بثر أو جرح أو رعاف أو غيرها فالاحتراز عن القليل مشقة عظيمة كانت منفية أما لو بلغ درهما من الدراهم البغلية مضروبة من درهم وثلث فلم يزد فقد احتمل علماؤنا على قولين فبعض أوجب إزالته وهو قول النخعي والأوزاعي وبعض لم يوجبه وهو مذهب أبو حنيفة فالطائفة الأولى جعلوا الدرهم في حد الكثرة والأخرى جعلوه في حد القلة والأقرب الأولى. لنا: ما رواه الجمهور في قوله (ع): تعاد الصلاة من قدر الدرهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أنهما قالا:
لا بأس بأن يصلي الرجل في ثوب فيه الدم متفرقا شبه النصح وإن كان قدر رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم وما رواه في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قلت ما لرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فنسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أيعيد صلاته قال يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة ولان الأصل وجوب الإزالة بقوله تعالى: (وثيابك فطهر) إلا ما خرج بالدليل ولأنه نجس فوجب إزالته كما لو زاد احتج المخالف من الأصحاب بما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم قال قلت له الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة قال إن رأيت وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل فإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ممن ذلك فليس شئ رأيته أو لم تراه فإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت عليك غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه وبرواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) إن كان أقل من الدرهم فلا تعيد الصلاة وإن كان أكثر من قدر الدرهم فليعد إذا رآه فلم يغسله ولان في إزالته المشقة كما لو كان أقل والجواب عن الأول: بأن الرواية مرسلة فلعل محمد بن مسلم أسند الحديث إلى غير إمام فلا يكون حجة. وعن الثاني: انه لا دلالة على مطلوبكم فيه إذ دلالته على حكم الزائد والناقص والمساوي لم يتعرض له فيحمل على الأصل. فروع: [الأول] لو كان الدم متفرقا في كل موضع أقل من الدرهم قال الشيخ في النهاية لا يجب إزالته ما لم يتفاحش ويكثر وقال في المبسوط إذا كان الدم متفرقا لا يجب إزالته ولو قلنا إذا كان جميعه لو جمع كان مقدار الدرهم وجب إزالته كان أحوط للعبادة وابن حمزة اعتبر الدرهم لو جمع وابن إدريس أطلق القول بعدم وجوب الإزالة والأقرب عندي اعتبار الدرهم لو جمع. لنا: ان الحكم معلق على قدر الدرهم وهو أعم من أن يكون مجتمعا ومتفرقا ولان الأصل وجوب الإزالة للآية عفى عما نقص عن قدر الدرهم لكثرة وقوعه فلا يتعدى الرخصة إلى المتفرق النادر لعدم المشقة فيه ولأنه يلزم أنه لو كان الثوب قد استولت النجاسة عليه صحت الصلاة فيه ومع عدم الاستيلاء لا يلزم مع التساوي في إمكان الإزالة واللازم باطل قطعا فالملزم مثله بيان الملازمة أنه لو كان بين موضعين من الثوب حصل فيهما أقل من سبعة الدرهم بجزء لا يتجزى ما هو خال عن الدم وهو قليل جدا كجزء لا يتجزى صدق أنه لم يجتمع فيه قدر الدرهم احتج المخالف برواية جميل بن دراج عن أبي جعفر (ع) وقد تقدمت. والجواب: انها مرسلة ومع ذلك فهي غير ناصة على المطلوب فإنه يحتمل أن يكون المراد الدم القليل من الدم المتفرق ويدل عليه قوله أشبه النصح ويحتمل أيضا أن يكون اسم يكون في قوله ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم هو الدم المتفرق وذلك هو ما قلناه ويكون معناه ما لم يكن الدم المتفرق لو اجتمع قدر الدرهم ويكون قوله مجتمعا حالا والخبر قوله قدر الدرهم. [الثاني] ولو كان الدم متفرقا ولو جمع لزاد على الدرهم فعلى أحد قولي الشيخ لا يجب أما على قوله المختار من اعتبار الدرهم فالمصلي بالخيار أن (شاء ان) يزيل الجميع فعل وهو الأولى وإن شاء أزال ما ينفي منه حد الغسلة لأنه حينئذ يصدق عليه أن في ثوبه أقل من درهم فساغ له الدخول في الصلاة به. [الثالث] الدماء بأسرها متساوية في اعتبار الدرهم إلا ما استثناه واستثنى قطب الدين الراوندي دم الكلب والخنزير فألحقهما بدم الحيض في وجوب إزالة ما قل أو كثر وكذا ابن حمزة وأوجب أحمد إزالة قليل دم الكلب والخنزير دون قليل دم الحيض والمشهور مساواة غيرهما من الحيوانات لما تقدم من الأحاديث الدالة على الاطلاق احتج قطب الدين بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي الفضل العباس قال قال أبو عبد الله (ع) إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسحه جافا فأصب عليه الماء قلت لم صار بهذه المنزلة قال لان النبي صلى الله عليه وآله امر بقتلها وإذا كان حال رطوبته كذلك فحال دمه أبلغ في الاحتراز وإن المشقة إنما تحصل بدم الانسان نفسه لعدم انفكاكه منه غالبا أما دم الكلب فنادر فلا حرج في إزالته والجواب عن الأول: بالفرق بين الرطوبة والدم إذ قد ثبت في الدم العفو عما نص عن الدرهم ولم يثبت فيما هو أخف نجاسة منه كبول الصبي وعن الثاني: بأن المشقة غير مضبوط فلا يعتبر في التعليل بل المظنة التي هي الدم الموجودة من دم الكلب ولو سلم ذلك لزم عدم اعتبار الدرهم في جميع الدماء إلا دم الانسان نفسه وذلك باطل بالاجماع والأقرب عندي قول قطب الدين لان نجس العين يحصل دمه بملاقاته نجاسة غير معفو عنها وهكذا حكم دم الكافر. [الرابع] لو أصاب الدم نجاسة لم يعف عنها قليلا وكثيرا لان المعفو عنه إنما هو النجاسة الدموية لا غير. [الخامس] روى الشيخ عن مثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله (ع) قلت له إني حككت جلدي فخرج منه دم فقال: إن اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلا فلا وهذه الرواية تحمل على الاستحباب أو على أن القدر ليس في السعة بل في الوزن فإنه تقريبا يساوي سعة الدرهم. [السادس] حكم البدن حكم الثوب في هذا الباب ذكره أصحابنا ويؤيده رواية مثنى بن عبد السلام لان المشقة في البدن موجود كالثوب بل أبلغ لكثرة وقوعها أن يتعدى