احتج أبو حنيفة بقول عمر إذا كانت النجاسة مثل ظفري هذا لم يمنع جواز الصلاة وظفره كان قريبا من كف أحدنا ولان التحرز عن القليل حرجا فيكون مدفوعا كالدم ولأنه تجزي منها بالمسح في محل الاستنجاء ولو لم يعف عنها لم يكف فيها المسح كالكثير والجواب عن الأول باحتمال أن يكون ذلك قاله عن اجتهاد إذ لم يسنده فلا يكون حجة ولو سلم فيحتمل أن يكون المراد بالنجاسة الدم وعن الثاني: بالمنع من مشقة الاحتراز بخلاف الدم الذي لا ينفك الانسان منه إذ لا يخلو من حكة وبثرة أو دمل أو جرح أو رعاف أو غير ذلك فكانت المشقة فيه أبلغ على أن التعليل بالحرج تعليل لوصف غير منضبط فلا يكون مقبولا ولان غيره من النجاسات أغلظ فيه ولهذا أوجب البول والغائط الوضوء والمني الغسل بخلاف الدم ومن الثالث بأن الاستنجاء مزيل للنجاسة فكان كالماء في حصول الطهارة فلا يجوز قياس بثوب النجاسة على زوالها. * مسألة: الدم النجس قسمان، أحدهما:
يجب إزالته مطلقا أقل أو أكثر وهو دم الحيض والاستحاضة والنفاس أما دم الحيض فشئ ذكره الشيخان والسيد المرتضى وابن بابويه وأتباعهم و أما الآخران فقد ذكره الشيخ ومن تبعه والجمهور لم تفرقوا بين الدماء. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأسماء لما سأله عن دم الحيض يكون في الثوب اقرصيه ثم اغسليه بالماء وذلك عام في القليل والكثير ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير قال: لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره إلا دم الحيض فإن قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أنها من المساهر والمشاهد ولان الأصل وجوب الإزالة لما بيناه ولقوله تعالى: (وثيابك فطهر) وأما الدمان الآخران فتدل عليهما الآية والأصل ولان دم النفاس دم الحيض في الحقيقة. الثاني: ما لا يجب ازالته في حال قلته وهو أما أن لا يجب إزالته في حال قلته وأما أن لا يجب إزالته وإن كثير وأما أن لا يجب إزالته إن قل فالأول دم الجروح السائلة والقروح الدامية التي يشق إزالتها ولا تقف جريانها لما رواه الجمهور عن ابن عمر أنه كان يسجد فيخرج يديه فيضعهما بالأرض وهما يقطران دما من شقاق كان في يده وعصره شبره فخرج منها شئ من دم وقيح فمسحه بيديه وصلى ولم ينكر عليها حد وإلا لنقل ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا يزال يدمى كيف يصلي فقال: يصلي وإن كانت الدم يسيل وما رواه في الصحيح عن أبي بصير قال دخلت على أبي جعفر (ع) وهو يصلي قال لي قايدي أن في ثوبه دما فلما انصرف قلت له ان قائدي أخبرني ان في ثوبك دما فقال: إن لي دماميل ولست اغسل ثوبي حتى تبرء وما رواه عن ليث المرادي قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملو دما وقيحا فقال يصلي في ثيابه ولا يغسلها ولا شئ عليه وما رواه عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد الله (ع) الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي فقال: دعه ولا يضرك الا تغسله وما رواه في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (ع) قال إذا كان بالإنسان جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسل حتى يبرء وينقطع الدم ولأنه يشق التحرز منه وكان الترخص واجبا. فروع: [الأول] يستحب لصاحب هذا العذر أن يغسل ثوبه في كل يوم مرة لان فيه تطهير غير مشق فكان مطلوبا ولما رواه الشيخ عن سماعة قال سألته عن الرجل به القرح أو الجرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه قال: يصلي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة. [الثاني] لو تمكن من إبدال الثوب فالأقرب الوجوب لانتفاء المعلول فقد انتفى (العلة). [الثالث] لا فرق بين الثوب والبدن في هذا الحكم لوجود المشقة فيها. [الرابع] لو تعدى الدم عن محل الضرورة في الثواب أو البدن بأن لمس بالسليم من يديه دم الجرح أو بالظاهر من ثوبه فالأقرب عدم الترخص فيه ويجب إزالته لعدم المشقة وكذا لو ترشش عليه دم غيره. [الخامس] لا يخرج هذا النوع من الدم عن مقتضاه وهو النجاسة باعتبار العفو عنه لا في محل المشقة ولا غيره وهل يرى العفو عنه إلى ما لاقاه الوجه المنع فلو لاقاه جسم رطب نجس أيضا. [القسم الثاني] ما عدا ما ذكرناه من الدماء فإن كان مجتمعا وجب إزالة ما زاد على الدرهم البغلي سعة منه إجماعا منا وهو قول قتادة والنخعي وسعيد بن جبير وحماد بن سليمان والأوزاعي وأصحاب الرأي والشافعي وقال أحمد لا يجب إزالته ما لم يتفاحش ونكثر وهو قول مالك واختلفا في التفاحش فقال أحمد في رواية: أنه شبر في شبر وقال في أخرى: قدر الكف وقال مالك: التفاحش نصف الثوب. لنا: ان الأصل وجوب إزالة النجاسة والاحتياط يقتضيه وقوله تعالى: (وثيابك فطهر) وما روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم فالزائد أولى ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه وإن هو علم قبل أن يصلي فنسى وصلى فعليه الإعادة وما رواه عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان يراه فلم يغسله حتى يصلي فليعد صلاته وإن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة احتجوا بأن الشارع لم يقدره فوجب صرفه إلى المعتاد والجواب: المنع من عدم التقدير الشرعي لان الحديث الذي ذكرناه يدل عليه وقد عفى عما نقص عن الدرهم إجماعا منا وهو قول أكثر أهل العلم إلا الشافعي. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم وذلك يدل على أن الأقل لا يعاد الصلاة منه وإلا لم يكن التكليف بذلك المقدار فائدة وما رواه عن عمر أنه قال إذا كانت النجاسة مثل ظفري هذا لم يمنع جواز الصلاة ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع) قال في الدم يكون في الثوب: إن كان أقل من الدرهم فلا تعيد الصلاة وإن كان أكثر الحديث