أمر المخالف للامر بالحذر فلا بد من السبب الموجب للحذر ولا سبب إلا وصف المخالفة فيكون علة للمناسبة والاقتران وأيضا تارك المأمور عاص لقوله ألا أعصى لك أمر ألا يعصون الله ما أمرهم أفعصيت أمري والعاصي يستحق العقاب لقوله: (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدا فيها) وأنه (ع) ذم أبا سعيد الخدري حيث لم يجبه وتمسك بقوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) ولأنه عليه السلام قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة لولا موضوعة للانتفاء عند الوجود لا شك في تحقيق الندبية فيكون غير مأمور به ولان الصحابة تمسكوا بالأمر على الوجوب ولم يظهر إنكار فكان إجماعا فكان إجماعا وذلك كما في قوله (ع) سنوا بهم سنة أهل الكتاب وقوله (ع) فليغسله سبعا وقوله (ع) فليقضها إذا ذكرها ولان العقلاء يذمون العبد إذا لم يفعل ما أمره السيد ويعللون حسن الظن بالترك ولان الامر دال على إفضاء الفعل ووجوده فكان مانعا من النقيض كالخبر يجامع مع أن اللفظ وضع لإفادة معنى فلا بد وأن يكون مانعا من نقيضه تكميلا للمقصود ويقويه بحصوله ولان المطلوب لا بد وأن يكون قد اشتمل على مصلحة ويكون خاليا عن المفسدة عند المعتزلة وراجحا في المصلحة عند غيرهم و على كلا التقديرين فالأصل الاذن في تفويت المصلحة الخالصة أو الراجحة لاستلزامه الاذن في تفويت الخالصة وهو قبيح ولان شرعية المنع من الترك أرجح في الظن من شرعية الاذن فيه لأنه أكثر افضاء إلى وجود الراجح الذي هو المطلوب في الأول ولا شك أن الذي يكون اقصر أفضى إلى الشئ الراجح راجح في الظن على ما يكون أكثر إفضاء إلى المرجوح ولان الوجوب معنى يشتد الحاجة إليه فوجب أن يوضع له لفظ يدل عليه كسائر المعاني لاستلزام القدرة والداعي الفعل ولا الفضاء إلا صيغة افعل ولان الحمل على الوجوب يقتضي القطع بعدم الاقدام على المخالفة ومع الندب يحصل الشك فالأول أولى وقولهم العلم بإفادته الموجب ليس بعقلي قطعا ولا نقلي لفقدان التواتر وعدم إفادة الآحاد وإن أهل اللغة قالوا لا فرق بين الامر والسؤال إلا الرتبة فلو كان للوجوب لم يكن الحصر صادقا ولأنه قد ورد للندب فلا يمكن جعله حقيقة فيهما وإلا لزم الاشتراك ولا في أحدهما وإلا لزم المجاز فكان للقدر المشترك ليس كشئ أما الأول فيجوز تحصيله من المركب كما يقول تارك الأمور عارض بالنقل والعاصي يستحق العقاب به فيحصل القطع بالعقل بأنه للوجوب ولأنه يجوز أن يثبت بالآحاد فإنها ليست مسألة عملية بل عقلية وأما الثاني فإن السؤال يدل على الايجاب إذ السائل يطلب طلبا لا يسوغ فيه العمل بالنقيض أقصى ما في الباب أنه لا يلزم من إيجابه الوجوب وأما الثالث إنما المجاز يصار إليه لما ذكرنا من الأدلة. مسألة: يحرم على الرجل وطئ الحائض قبلا وهو مذهب عامة علماء الاسلام قال الله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض) وهذا أمر يدل على الوجوب ثم قال: (ولا تقربوهن حتى يطهرن) وهذا نهي وهو يدل على التحريم وأما غير القبل فما فوق السرة ودون الركبة يجوز الاستمتاع به بالنص والاجماع واختلف في الاستمتاع بينهما فقال أكثر علمائنا بالكراهية دون التحريم فقال أحمد هو مباح وهو قول عكرمة وعطا والشعبي والثوري وإسحاق والأوزاعي وأبو ثور وداود ومحمد بن الحسن والنخعي وأبو إسحاق المروزي وابن المنذر وقال السيد المرتضى بالتحريم وهو اختيار أبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف. لنا: قوله تعالى: (واعتزلوا النساء في المحيض) وهو اسم كالمعتل والميتة في التخصيص بالموضع والمعنى يدل على إباحة ما سواه أو نقول الأصل الإباحة والتحريم إنما يتناول القبل فيبقى الباقي على الأصل لا يقال المحيض هو الحيض يقال حاضت المرأة حيضا ومحيضا ويدل عليه أول الآية وهو قوله: (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى) والأذى هو المحيض لا موضعه وقال تعالى: (واللائي يئسن من المحيض) وإنما يريد به الدم لأنا نقول استعمال المحيض في الحيض لا ينافي في مطلوبنا إذ الحيض ها هنا غير مراد لوجوه، أحدها أن ما ذكرناه قياس اللفظ فيحمل عليه. الثاني لو نزل على الحيض لوجب الاضمار أو يستحيل حمل اللفظ على حقيقته سلمنا إضمار الموضوع أولى من إضمار الأزمنة لأنه يلزم من الثاني الامر باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية وقد انعقد الاجماع على خلافه. الثالث إنما ذكرناه أولى لان نزول هذه الآية ان الله تعالى قصد مخالفة اليهود حيث كانوا يعزلون النساء فلا يؤاكلوهن ولا يشاربوهن مدة الحيض ولا يجامعوهن في البيت فسئل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك فنزلت هذه الآية فقال صلى الله عليه وآله ضعوا كل شئ غير النكاح وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إجتنب منها شعار الدم و وروى مسلم عنه صلى الله عليه وآله قال ضعوا كل شئ غير النكاح ومن طريق الخاصة ما رواه عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم ورواه عن عبد الملك بن عمرو قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عما لصاحب المرأة الحائض منها قال كل شئ ما عدا القبل بعينه وما رواه عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يأتي المرأة فيه دون الفرج وهي حائض قال لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع ولان المنع من الوطي لأجل الأذى فاختص بمحله كالدبر عندهم احتج السيد المرتضى بما رواه الشيخ عن عبد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الحائض ما يحل لزوجها منها قال تزر بإزار إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن الحائض والنفساء ما يحل لزوجها منها قال تتزر بإزار إلى الركبتين وتخرج ساقها وله ما فوق الإزار وعن حجاج الخشاب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض والنفساء ما يحل لزوجها منها قال تلبس درعا
(١١١)