لا يقطع على أن ما رأته حيض يجوز أن يكون الحيض ما يتلوه وإن اعتبرت الصلاحية فهي موجودة في البابين احتج بأن الأصل لزوم العبادة حتى يتيقن السقط ولا يقين قبل الاستمرار ثلاثة والجواب لا نسلم أن الأصل لزوم العبادة بل الأصل البراءة فإن قلت أنها صارت أصلا بعد ثبوت الأوامر قلت فلم قلت أن تلك الأوامر متوجهة ها هنا سلمنا لكن لا نسلم أنه لا يسقط إلا مع تيقن المسقط بل قد يسقط مع ظنه سلمنا لكن اليقين ها هنا حاصل فإنا نقطع بأن الشرع أسقط عن المرأة مع غلبة ظنها بأن الدم حيض ما شغل منها عليها. مسألة: ويحرم اللبث في المساجد وهو مذهب عامة أهل العلم روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) ويدخلان المسجد مجتازين ولا يقعدان فيه ولان الحائض مشاركة للجنب في الحديث وممتازة عنه بزيادة حمل النجاسة فحكم حدثها أغلظ فالمنع من الاستيطان في المسجد في حقها أقرب. فروع: الأول يجوز لها الاجتياز في المساجد إلا المسجدين والاستثناء مختص بنا أما جواز الاجتياز فقد ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول ابن مسعود وابن عباس وابن جبير والحسن ومالك والشافعي وقال أبو حنيفة والثوري وإسحاق لا تدخل المسجد فإن اضطرت تيممت. لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعائشة ناوليني الخمرة من المسجد قالت إني حائض قال إن حيضتك ليست في يدك ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) ويدخلان المسجد مجتازين ولا تقعدان فيه إشارة إلى الجنب والحائض وما رواه محمد بن يعقوب في كتابه عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي حمزة عن الباقر (ع) ولا بأس أن يمرا في المساجد ولا يجلسان فيها احتج أبو حنيفة بقوله (ع) لا أحل المسجد لحائض ولا جنب والجواب أنه مخصوص بمسجده وهو دليل لنا على الاستثناء المذكور وأما تحريم الاجتياز في المسجدين فرواية الجمهور تدل عليه ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) ولا يقربان المسجدين الحرمين وما رواه ابن يعقوب عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي حمزة عن الباقر (ع) إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما حتى يخرج منه ويغتسل وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد لا يجلسان فيها. الثاني إذا اتفق لها الحيض في أحد المسجدين لم تقطعه خارجة إلا بالتيمم لرواية أبي حمزة المذكورة وهي وإن كانت مقطوعة السند إلا أنها مناسبة للمذهب ولان الاجتياز فيهما حرام إلا مع الطهارة وهي متعذرة والتيمم يقوم مقامها في جواز الصلاة فكان قائما مقامهما في قطع المسجد وإن لم يكن التيمم ها هنا طهارة. الثالث قال الشيخ في الخلاف يكره لها الاجتياز في غير المسجدين ولم نقف على حجة وإباحة في غيره واختيار المفيد السيد المرتضى. لنا: ان الكراهة حكم شرعي فيقف عليه ويمكن أن يقال السبب في الكراهة أما جعل المسجد طريقا واما الدخول بالنجاسة إليه وقال الشافعي أن لم يعصب فرجها لم يبح لها لأنه لا نؤمن أن يلوث المسجد وإن عصيت فرجها فوجهان. الرابع قال أصحابنا يحرم على الحائض أن تضع شيئا في المسجد ويجوز لها أن تأخذ منه لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد للمتاع يكون فيه قال نعم ولكن لا يضعان في المسجد شيئا لما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال سألته كيف صار الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه فقال إن الحائض تسع أن تضع ما في يدها في غيره ولا تستطيع أن تأخذ فيه إلا منه. مسألة: ويحرم عليها الطواف وهو إجماع لأنه يفتقر إلى الدخول إلى المسجد الحرام وهو حرام وإلى الطهارة ولا يصح منها فعلها لوجود الحدث الملازم الضد ولان النبي صلى الله عليه وآله قال لعائشة وقد حاضت افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت فإن طافت لم تعتد به بلا خلاف. مسألة: ويحرم عليها قراءة العزائم وهو مذهب علمائنا أجمع ونقل الجمهور عن علي (ع) وعمر وبه قال الحسن والنخعي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي والأوزاعي وزادوا تحريم غيره وقال مالك لا يجوز للحائض أن يقرء القرآن مطلقا ولم يخصص ولا يجوز للجنب. لنا: على تحريم العزائم ما قدمناه في باب الجنب ولان الحائض آكد في الحدث من الجنب. فروع الأول لا يحرم عليها قراءة غير العزائم عملا بالأصل وبما تقدم من الروايات في باب الجنب وهو أحد قولي الشافعي وفي الآخر يحرم. الثاني يحرم عليها قراءة بعض السور حتى البسملة إذا نوت أنها من العزائم جزء منها. الثالث يكره لها قراءة ما زاد على سبع آيات وقيل سبعين وقد تقدم الكلام في ذلك كله. مسألة: ويحرم عليها مس كتابة القرآن وهو إجماع ولقوله تعالى:
(لا يمسه إلا المطهرون) ولما رواه الشيخ عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله (ع) قال يا بني اقرأ المصحف فقال إني لست على وضوء فقال لا تمس الكتاب ومس الورق واقرأه والحائض ليست على وضوء وكانت داخلة تحت هذا المنع وروي عن أبي عبد الله (ع) عمن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء فقال لا بأس ولا يمس الكتاب والحائض داخلة وروي في الحسن عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال قال الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرءان من القرآن ما شاء إلا السجدة وحكم الحائض في الفروع التي ذكرناها في باب الجنب في هذه المسألة حكم الجنب أصل صيغة إفعل حقيقة في الوجوب لقوله تعالى: (وما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) ذمه على الترك عقيب الامر إذ ليس المقصود منه الاستفهام ولا يتحقق إلا مع القول ما به الوجوب وكذا في قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) وأيضا قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره)