فحينئذ يتقدم مقدم العساكر المنصورة، المشار إليه، بجمع قتلى المسلمين من المعركة، ودفنهم بدمائهم وثيابهم. وجمع الملبوس والسلاح والكراع وما بقبرس من الصبيان والنساء والأبكار والأموال على اختلاف الأجناس والأنواع. وجميع المواشي.
ونقل الجميع إل يسيف البحر الأعظم، ووسق الفلك بها، وتركوا تلك الديار خاوية على عروشها خامدة، والحس والهمس حصيدا كأن لم تغن بالأمس. وركب هو والجيوش المنصورة في أفلاكها. ورجعوا متوجهين بالسلامة والنصر.
وإذا دخلوا بالغنيمة إلى دار الإسلام جلس المقدم لقسم مال الغنائم، وهو بعمل الحق وقسمة العدل قائم. وخمسها. ثم خمس الخمس. وجعله حيث أمره به الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم قسم أربعة أخماس الخمس على مستحقيه. ثم قسم أربعة أخماس الغنيمة بين الجيوش المنصورة على حكم الشرع الشريف المطهر ومقتضاه، عاملا في ذلك بتقوى الله، وما يحبه رسوله الله صلى الله عليه وسلم ويرضاه.
وعهد إليه أن يأخذ الأمر بزمامه، وأن يعمل لله ولإمامه، وأن يعرف للمجاهدين حقهم، ويقدم أهل النفع منهم على غيرهم تقديما. فقد قدمهم الله فقال: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما *) (النساء: 95) ولمن وفى شكر إقدامهم، ومداومة تأنسهم، فطالما اقتحموا على الملوك مثل الوحوش، وما هابوا يقظة حراسهم. وليرفع بعضهم على بعض درجات. فما هم سواء (لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم) (النساء: 95) فهو أولى من عمل بهذه الوصايا التي هو منها على يقين، وأحق من فرج على الإسلام كل ضيق، بتصرف رجاله وأصحابه الميامين. والله تعالى يعينه ويوفقه ويرشده، ويطيل باعة لما قصرت عنه سواعد الرماح، ووصلت إليه يده آمين.
ويكمل بالإشهاد والتاريخ. والله أعلم.