لضرورة، لابد له منها، فإن صناعته شريفة، ورتبته منيفة، بها يطلع على غوامض الأمور، وأسرار الملوك، وأحوال الجمهور، وبها يحفظ دماء الناس وأموالهم، وتنبني عليها أقوالهم وأفعالهم، وينبغي أن لا يتكلم مع الأخصام من الشهود، إلا العارف بالقضايا، وأن يميز بين الخصمين، ويعرف المشهود عليه من المشهود له، ولا يبطن قضية مع أحد الخصمين يكون للاخر فيها حقا، فإن ذلك يؤدي إلى الاتهام في النصيحة. وربما أدت المباطنة مع أحد الخصمين إلى زيادة مخاصمة، وربما عاد ضرر ذلك على الشاهد في الحال والمال.
وإذا كان أحد الشاهدين مع الخصمين، أو مع أحدهما في مسألة، فلا يتكلم فيها الشاهد الثاني حتى ينتهي كلام الأول. فإن كان صوابا وإلا رده عليه الثاني، ونبهه على الصواب برفق، ولا يتنازعان في المجلس بحضرة الأخصام، فإن ذلك يكسر الحرمة، ويزيل الأبهة.
وينبغي للشاهد: أن لا يسرع في الكتابة، حتى يوقع الشهادة بما يقع عليه الاتفاق، فإن ذلك يقطع التنازع بين الخصمين، وربما المشهود عليه ضعيفا، فإذا اشتغل الشاهد في الكتاب ربما أغمي عليه، واستمر مغمورا إلى أن يموت، فيفوت المقصود.
ولا يكتب الشاهد على ظهر مكتوب قبل تحرير ما يقع به الاشهاد، فربما حصل خلف بينهما، فيؤدي ذلك إلى فساد المكتوب على صاحبه، وتتطرق الريبة إليه، بل يلخص المشهود به في مسودة، ثم يوقع الاشهاد به، ثم يكتب على ظهر المكتوب، بعد أن يوقف عليه رفيقه الذي يشهد معه في القضية، ثم ينقله إلى الكتاب الذي يريد أن يكتبه، فإنه إذا لم يفعل ذلك، وشرع في الكتابة، معتمدا على جودة ذهنه، وبادي بديهته، ووثوقه من نفسه بعدم الخطأ في الغالب. فقد يذهل ويجري القلم - الذي هو لسان اليد، وبهجة الضمير، وسفير العقول، ووحي الفكر، ورائد الأمور - بغير مراد الكاتب، فإن كان المكتوب إنشاء فيحتاج إلى كشط، أو إلحاق. فيكون ذلك عيبا في المكتوب، لا سيما إن ذهل عن الاعتذار عنه. وخرج المكتوب من يده، فيصير فيه ريبة إن بعد الزمان، ومات الشاهد أو غاب، وإن غير المكتوب، فقد كلف نفسه غرم ذلك، وإن كانت الكتابة على ظهر مكتوب قديم قد توالت عليه خطوط بالأحكام والثناء فيه، فيجري القلم بغير المقصود. فيحتاج إلى تغيير ذلك الفصل في فصل آخر. فقد تتعذر الكتابة على المكتوب، لضيقه أو لضيق الزمان. فإن أبقاه على الخطأ، أو أصلحه بالمقصود على عسر في الكتابة، وضيق في المكتوب، أدي ذلك إلى الكلام في المكتوب والكاتب. وهذا في حق موقعي الحكم العزير آكد، من كون أن غالب القضايا الحكمية،