ويحدث بالولادة لم يحنث بما يحلب قبلها. (ولو قال) في حلفه (مشيرا إلى حنطة) مثلا (لا آكل هذه حنث بأكلها على هيئتها وبطحنها وخبزها) تغليبا للإشارة، هذا عند الاطلاق، فإن نوى شيئا حمل عليه.
تنبيه: قال الأذرعي: واعلم أن كلامه مصرح في هذه الصورة وأشباهها بأنه إنما يحنث بأكل الجميع، وقالوا لو قال: لا آكل هذا الرغيف لم يحنث ببعضه، فلو بقي منه ما يمكن التقاطه وأكله لم يحنث وهو يفهم الحنث فيما إذا بقي ما لا يمكن التقاطه وأكله، ولا شك أن الحنطة إذا طحنت يبقى في ثقوب الرحى منها بقية دقيق ويطير منه شئ، وإذا عجن يبقى في المعجن غالبا منها بقية، وإذا أكل الخبز يبقى منه فتات صغير، وهذا كله مما يوجب التوقف في الحنث بأكل خبزها عند من ينظر إلى حقيقة اللفظ ويطرح العرف. وقد حكى أبو بكر بن العربي في فوائد رحلته قال:
وكنت أجلس كثيرا في مجلس الشاشي، يعني صاحب الحلية فيأتي إليه الرجل يقول: حلفت بالطلاق أن لا ألبس هذا الثوب، وقد احتجت إلى لبسه، فيقول: سل منه خيطا فيسل منه خيطا مقدار الشبر أو الإصبع، ثم يقول: البس لا شئ عليك اه. وعلى هذا إذا تحقق ذهاب ما ذكر لا يحنث. (ولو) صرح في حلفه بالإشارة مع الاسم كأن (قال لا آكل هذه الحنطة حنث بها مطبوخة) مع بقاء حباتها (ونيئة ومقلية) - بفتح الميم - لأن الاسم لم يزل. إن هرست في طبخها لم يحنث لزوال اسم الحنطة كما يؤخذ من قوله (لا بطحينها وسويقها وعجينها وخبزها) - بضم الخاء - لزوال الاسم والصورة.
تنبيه: لو أخر اسم الإشارة كأن قال: لا آكل الحنطة هذه فهو كما لو اقتصر على الإشارة. (ولا يتناول رطب) - بضم الراء - حلف على أكله (تمرا ولا بسرا) - بضم الباء الموحدة - ولا بلحا (ولا) يتناول (عنب زبيبا، وكذا العكوس) لهذه المذكورات فلا يحنث بأكل التمر من حلف لا يأكل رطبا، وكذا الباقي لاختلافها اسما وصفة.
تنبيه: لو حلف لا يأكل رطبا أو بسرا فأكل منصفا، وهو بضم الميم وفتح النون وكسر الصاد المهملة المشددة حنث لاشتماله على كل منهما فإن حلف لا يأكل رطبا فأكل غير الرطب منه فقط، أو لا يأكل بسرا فأكل الرطب منه فقط لم يحنث. قال أهل اللغة: تمر النخل أوله طلع وكافور، ثم خلاف بفتح الخاء المعجمة واللام المخففة، ثم بلح ثم بسر، ثم رطب، ثم تمر، فإذا بلغ الأرطاب منصف البصرة قيل منصفه، فإن بدا من ذنبها ولم يبلغ النصف قيل مذنبة بكسر النون، ويقال في الواحدة بسرة بإسكان السين وضمها، والجمع بسر بضم السين وبسرات، وأبسر النخل أر ثمره بسرا، وهل يتناول البسر المشدخ وهو ما لم يترطب بنفسه، بل عولج حتى ترطب وهو المسمى في مصر بالمعمول ؟ قال الزركشي: فيه نظر، وقد ذكروا في السلم أنه لو أسلم إليه في رطب فأحضر إليه مشدخا لا يلزمه قبوله لأنه لا يتناوله اسم الرطب. (ولو قال) الحالف (لا آكل هذا الرطب فتتمر) أي صار تمرا (فأكله أو لا أكلم ذا الصبي) وأطلق (فكلمه شيخا فلا حنث في الأصح) لزوال الاسم كما في الحنطة، والثاني يحنث لبقاء الصورة، وإن تغيرت الصفة كما لو قال: لا آكل هذا اللحم فجعله شواء وأكله، أما إذا قصد الامتناع من أكل هذه الثمرة وكلام هذا الشخص فإنه يحنث، وإن تبدلت الصفة ويجري الخلاف في نظائر هذا كما لو قال: لا آكل من هذا البسر فصار رطبا، أو العنب فصار زبيبا، أو العصير فصار خمرا، أو هذه الخمر فصار خلا، أو لا آكل من لحم هذه السخلة أو الخروف فصار كبشا فذبحه وأكله أو لا أكلم هذا العبد فعتق.
تنبيه: قوله: شيخا يوهم أنه لو كلمه بالغا يحنث وليس مرادا، فلو عبر بالبالغ لدل على الشيخ من باب أولى،