تنبيه: قول المصنف حل: المراد زوال التحريم على الأول، والكراهة على الثاني، فلو قال: لم يكره لكان أولى، إذ الحل يجامع الكراهة إلا أن يريد حلا مستوي الطرفين.
فروع: لو ربى سخلة بلبن كلبة أو خنزيرة كانت كالجلالة، ولو غذى شاة نحو عشر سنين بمال حرام، قال ابن عبد السلام: لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره، لأن الأعيان لا توصف بحل ولا حرمة. وقال الغزالي: ترك الأكل من شاة علفت بعلف مغصوب من الورع ولا يحرم ترك الورع، ولا تكره الثمار التي سقيت بالمياه النجسة ولا حب زرع نبت في نجاسة كزبل كما في المجموع عن الأصحاب، إذ لا يظهر في ذلك أثرها، وقضية ما قال الزركشي أنه متى ظهر التغير فيها كرهت، ولا يكره بيض سلق بماء نجس ولو نتن اللحم أو البيض لم ينجس. قال في المجموع قطعا، ويحل أكل النقانق والشوى والهرائس كما قاله ابن عبد السلام، وإن كان لا يخلو من الدم غالبا.
فائدة: قيل إن الكلب إذا عض حيوانا وذبح من أكل منه كلب، ولهذا قال بعضهم لا يحل أكله. (ولو تنجس) مائع (طاهر: كخل) ودهن (ودبس ذائب) بمعجمة (حرم) تناوله لحديث الفأرة المار في باب النجاسة، وكذا جامد تعذر تطهيره كالذي لاقى الفأرة من السمن الجامد أو أمكن ولم يطهر كما يؤخذ من إطلاق المتنجس، ويجوز أن يعلف المتنجس دابته، ولو وقع في قدر طبيخ جزء من لحم آدمي ميت. قال الغزالي: لم يحل منه شئ لحرمة الآدمي، وخالفه في المجموع. وقال: المختار الحل، لأنه صار مستهلكا فيه، ولو تحقق إصابة روث الفئران القمح عند درسه فمعفو عنه، ويسن غسل الفم من أكله كما في المجموع: ومرت الإشارة إلى ذلك في كتاب الطهارة (وما كسب) أي المكسوب (بمخامرة نجس: كحجامة وكنس) لنجس كزبل (مكروه) للحر تناوله ولو اكتسبه رقيق (ويسن أن لا يأكله) أو (يطعمه رقيقه) ولا يكره للرقيق، وإن كسبه حر (و) يعلفه (ناضحة) وهو البعير وغيره يسقى عليه الماء، وحكم سائر الدواب كذلك وذلك لأنه (ص) سئل عن كسب الحجام فنهى عنه وقال: أطعمه رقيقك وأعلفه ناضحك رواه ابن حبان وصححه الترمذي وحسنه، والفرق من جهة المعنى شرف الحر ودناءة غيره، وصرف النهي عن الحرمة خبر الشيخين عن ابن عباس: احتجم رسول الله (ص) وأعطى الحجام أجرته ولو كان حراما لم يعطه لأنه حيث حرم الاخذ حرم الاعطاء لأنه إعانة على معصية كأجرة الندب والنياحة إلا عند الضرورة، كأن أعطى الشاعر لئلا يهجوه أو الظالم لئلا يمنعه حقه أو لئلا يأخذ منه أكثر مما أعطاه فإن الاثم على الاخذ دون المعطى. فإن قيل يحتمل أنه (ص) إنما أعطاه ذلك ليطعمه رقيقه وناضحه. أجيب بأنه لو كان ذلك لبينه له (ص)، وقيس بالحجامة غيرها من كل ما تحصل به مخامرة النجاسة.
تنبيه: قوله أن لا يأكله يفهم جواز أن يشتري به ملبوسا أو نحوه، ولا كراهة في ذلك، والظاهر كما قاله الأذرعي: التعميم بوجوه الانفاق حتى التصدق به. وقال في الذخائر: إذا كان في يده حلال وحرام أو شبهة والكل لا يفضل عن حاجته. قال بعض العلماء: يخص نفسه بالحلال فإن التبعة عليه في نفسه آكد لأنه يعلمه والعيال لا تعلمه، ثم قال: إن الذي يجئ على المذهب أنه وأهله سواء في القوت والملبس دون سائر المؤن من أجرة حمام وقصارة ثوب وعمارة منزل وفحم تنور وشراء حطب ودهن سراج وغيرها من المؤن. ولو غلب الحرام في يد السلطان قال الغزالي: حرمت عطيته وأنكر عليه في المجموع، وقال: مشهور المذهب الكراهة لا التحريم مع أنه في شرح مسلم جرى على ما قاله الغزالي ولو كانت الصنعة دنيئة بلا مخامرة نجاسة: كفصد وحياكة لم تكره إذ ليس فيها مخامرة نجاسة وهي العلة الصحيحة لكراهة ما مر عند الجمهور وقيل العلة دناءة الحرفة، ورجحه البلقيني: قال في الروضة:
وكره جماعة كسب الصواغ. قال الرافعي: لأنهم كثيرا ما يخلفون الوعد ويقعون في الربا لبيعهم المصوغ بأكثر من