لا ضمان فيه. والثاني ظاهر فيه الضمان، والخلاف في الأولى أوجه. ويقال أقوال. وفي الثانية قولان. والثالث قول أو وجه. وفيها طريق قاطع بالأول بناء على أن ما يذبحه المحرم من الصيد ميتة أما إذا كان مالك الطعام حاضرا وامتنع من البيع أصلا أو إلا بأكثر مما يتغابن به فإنه يجب عليه أكل الميتة في الأولى. ويجوز له في الثانية وسن له الشراء بالزيادة إن قدر عليه.
تنبيه: مثل الميتة في ذلك صيد الحرم كما في الكفاية، فإن ذبح المحرم الصيد أو الحلال صيد الحرم وصار ميتة فيتخير المضطر بينه وبين الميتة لأن كلا منهما ميتة، ولا مرجح ولا قيمة للحمه كسائر الميتات. وفي الصيد وطعام الغير وجوه أحدها وهو الظاهر يتعين الصيد لبناء حق الله تعالى على المسامحة. ثانيها يتعين الطعام. ثالثها يتخير بينهما وإن وجد المريض طعاما له أو لغيره يضره ولو بزيادة في مرضه فله أكل الميتة دونه، ويجوز للمضطر شرب البول عند فقد الماء النجس لا عند وجوده، لأن الماء النجس أخف منه، لأن نجاسته طارئة. (والأصح) حيث لم يجد المضطر شيئا يأكله (تحريم قطع بعضه) جزء من فخذه (لاكله) بفتح الهمزة وسكون الكاف، لأنه قد يتولد منه الهلاك (قلت) أخذا من الرافعي في الشرح (الأصح جوازه) لأنه إتلاف بعضه لاستبقاء كله، فأشبه قطع اليد بسبب الاكلة (وشرطه) أي الجواز أمران أحدهما (فقد الميتة ونحوها) مما مر (و) الأمر الثاني (أن يكون الخوف في قطعه أقل) من الخوف في ترك الأكل فإن كان مثله أو أكثر حرم جزما. فإن قيل: قد تقدم في قطع السلعة الجواز عند تساوي الخطرين فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن السلعة لحم زائد على البدن وفي قطعها إزالة الشين وتوقع الشفاء ودوام البقاء فهو من باب المداواة بخلاف هذا فإن فيه إفسادا وتغييرا لبنيته. وليس من باب المداواة. ولهذا قيد البلقيني محل القطع هنا بما إذا لم يكن ذلك المقطوع يجوز قطعه في غير الاضرار، فإن كان كالسلعة واليد المتأكلة حيث جاز قطعها فيجوز ذلك في حال الاضرار قطعا ويحرم جزما على شخص (قطعه) أي بعض نفسه (لغيره) من المضطرين، لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستيفاء الكل.
تنبيه: هذا إذا لم يكن ذلك الغير نبيا، وإلا لم يحرم بل يجب. (و) يحرم على مضطر أيضا أن يقطع لنفسه قطعة (من) حيوان (معصوم. والله أعلم) لما مر.
خاتمة: ترك التبسط في الطعام المباح مستحب فإنه ليس من أخلاق السلف، هذا إذا لم تدع إليه حاجة كقري الضيف وأوقات التوسعة على العيال كيوم عاشوراء ويومي العيد، ولم يقصد بذلك التفاخر والتكاثر بل تطييب خاطر الضيف والعيال، وقضاء وطرهم مما يشتهونه. وفي إعطاء النفس شهواتها المباحة مذاهب حكاها الماوردي: منعها وقهرها لئلا تطغى، إعطاؤها نحيلا على نشاطها وبعثها لروحانيتها. قال: والأشبه التوسط بين الامرين لأن في إعطاء الكل سلاطة عليه وفي منعه بلادة. ويسن الحلو من الأطعمة وكثرة الأيدي على الطعام وإكرام الضيف والحديث الحسن على الاكل، ويسن تقليله، ويكره ذم الطعام إذا كان الطعام لغيره لما فيه من الايذاء فإن كان له فلا. وتكره الزيادة على الشبع من الطعام الحلال إذا كان الطعام له أما في طعام مضيفه فإن علم رضاه بذلك فكذلك وإلا فحرام كما مر في الوليمة ويسن أن يأكل من أسفل الصحفة ويكره من أعلاها، أو وسطها. وأن يحمد الله عقب الاكل فيقول: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. وفي البخاري: أنه (ص) كان إذا رفع مائدته قال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا كفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا برفعه بالابتداء أو الخبرية، وبنصبه للاختصاص أو النداء، وبجره بالبدل من الله. وروى أبو داود بإسناد صحيح: أنه (ص) كان إذا أكل وشرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا.