بأهل اليسار المحتاجون، وبسليمة أجلاف البوادي الذين يأكلون ما دب ودرج ممن غير تمييز، فلا عبرة بهم، وبحال الرفاهية حال الضرورة، فلا عبرة بها.
تنبيه: قضية كلام المصنف أنه لا بد من أخبار جمع منهم، والظاهر كما قال الزركشي: الاكتفاء بخبر عدلين ويرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه، فإن استطابته فحلال أو استخبثته فحرام، والمراد به ما لم يسبق فيه كلام العرب الذين كانوا في عهده (ص) فمن بعدهم، فإن ذلك قد عرف حاله واستقر أمره، فإن اختلفوا في استطابته اتبع الأكثر فإن استووا فقريش لأنهم قطب العرب، فإن اختلفت ولا ترجيح أو شكوا أو لم نجدهم ولا غيرهم من العرب اعتبرنا أقرب الحيوان شبها به صورة أو طبعا أو طعما، فإن استوى الشبهان أو لم يوجد ما يشبهه فحلال لآية * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) * ولا يعتمد فيه شرع من قبلنا، لأنه ليس شرعا لنا، فاعتماد ظاهر الآية المقتضية للحل أولى من استصحاب الشرائع السالفة، واندفع بما قرت به كلام المصنف اعتراض البلقيني، فإنه قال: إن أراد نص كتاب أو سنة لم يستقم فقد حكم بحل الثعلب، وتحريم الببغا والطاووس، وليس فيها نص كتاب ولا سنة أو قول عالم فقول العالم ليس دليلا يعتمد، وإن أريد نص كتاب أو سنة أو نص الشافعي أو أحد من أصحابه فهو بعيد، لأن هذا لا يطلق عليه نص في اصطلاح الأصوليين. (وإن جهل اسم حيوان سئلوا) أي العرب عن ذلك الحيوان (وعمل بتسميتهم) له مما هو حلال أو حرام، لأن المرجع في ذلك إلى الاسم وهم أهل اللسان (وإن لم يكن له اسم عندهم اعتبر بالأشبه) به من الحيوان في الصورة أو الطبع أو الطعم في اللحم، فإن تساوى الشبهان أو فقد ما يشبهه حل على الأصح في الروضة والمجموع.
ولما فرغ المصنف من حكم الحيوان الحرام أخذ من حكم المكروه منه، فقال: (وإذا ظهر تغير لحم جلالة) من نعم أو غيره كدجاج، ولو يسيرا (حرم أكله) أي اللحم كما في المحرر وبه قال الإمام أحمد، لأنها صارت من الخبائث، وقد صح النهي عن أكلها، وشرب لبنها وركوبها كما قاله أبو داود وغيره، وهي بفتح الجيم وتشديد اللام، ويقال الجالة التي تأكل الجلة - بفتح الجيم - وهي العذرة والبعر وغيرهما من النجاسات والحكم منوط كما قال المصنف بالتغير على الأصح وقيل إن كان أكثر علفها النجاسة ثبت وإلا فلا، وهو ظاهر كلام المصنف في التحرير وجزم به في تصحيح التنبيه وإطلاقه هنا التعبير يشمل الأوصاف الثلاثة وقيداه في الشرح والروضة بالرائحة. قال الزركشي تبعا للأذرعي: والظاهر أنه ليس بقيد فإن تغير الطعم أشد (وقيل يكره) لنتن لحمها (قلت: الأصح يكره) كما نقله الرافعي في الشرح عن إيراد أكثرهم (والله أعلم) لأن النهي إنما هو لتغير اللحم وهو لا يوجب التحريم كما لو نتن اللحم المذكى وتروح فإنه يكره أكله على الصحيح.
تنبيه: قد يفهم تقييد المصنف باللحم أن غيره ليس كذلك، وليس مرادا، بل لا فرق بين لحمها ولبنها وبيضها في النجاسة والطهارة والتحريم والتحليل وفاقا وخلافا، بل قال البلقيني: ينبغي تعدي الحكم إلى شعرها وصوفها المنفصل في حياتها. وقال الزركشي: الظاهر إلحاق ولدها بها إذا ذكيت ووجد في بطنها ميتا اه. ويكره ركوبها بلا حائل. (فإن علفت) علفا (طاهرا) أو متنجسا كشعير أصابه ماء نجس أو نجس العين كما هو ظاهر كلام التنبيه (فطاب) لحمها بزوال رائحته (حل) ما ذكر وإن علفت دون أربعين يوما اعتبارا بالمعنى. وأما خبر: حتى تعلف أربعين يوما والتقييد بالعلف الطاهر، فجرى على الغالب، وخرج بعلفت ما لو غسلت هي أو لحمها بعد ذبحها أو طبخ لحمها فزال التغير فإن الكراهة لا تزول، وكذا بمرور الزمان كما قاله البغوي وقال غيره: تزول قال الأذرعي وهذا ما جزم به المروزي تبعا للقاضي. وقال شيخنا: وهو نظير طهارة الماء المتغير بالنجاسة إذا زال التغير بذلك قال البلقيني: وهذا في مرور الزمان على اللحم، فلو مر على الجلالة أيام من غير أن تأكل طاهرا: أي أو غيره كما مر حلت، وإنما ذكر العلف بطاهر لأن الغالب أن الحيوان لا بد له من علف، ووافقه الزركشي على ذلك.