مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٠٩
(وإن قتله) ولا يجب قتاله كالصائل بل أولى: أي إذا كان صاحب الطعام مسلما كما هو في المقيس عليه، قاله الأذرعي، ولان عقل المالك أو وليه ودينه يبعثانه على الاطعام. وهو واجب عليه فجاز أن يجعل الامر موكولا إليه، وإنما يجوز قتاله على ما يدفع ضرره به، وهو ما يسد الرمق، إلا أن يخشى الهلاك، لأن الضرورة تتقدر بقدرها، ولا يقتص منه للممتنع إن قتله، ولا تؤخذ له دية، ويقتص له إن قتله الممتنع، لأنه لم يتعد بخلاف الممتنع، فإن عجز عن أخذه منه ومات جوعا فلا ضمان على الممتنع، إذا لم يحدث منه فعل مهلك، لكنه يأثم.
تنبيه: قضية كلام المصنف جواز قهر الذمي للمسلم وإن قتله، وليس مرادا، ولذا قال الشارح: إلا إن كان مسلما والمضطر غير مسلم: أي فلا يجوز له قهره ولا قتله، فإن قتله فعليه ضمانه، لأن الكافر لا يسلط على ميتة المسلم، فالحي أولى، وقد قال تعالى * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * ولا يختص ما ذكره المصنف بإطعام، بل لو خاف على نفسه من حر أو برد لزمه أخذ الثوب من مالكه إن لم يكن مضطرا مثله كما في التهذيب. (وإنما يلزمه) أي المالك أو وليه إطعام المضطر (بعوض ناجز إن حضر) ذلك العوض (وإلا) بأن لم يحضر العوض (فبنسيئة) ولا يلزمه البدل مجانا، ولا بدون ثمن المثل على الصحيح، لأن الضرر لا يزال بالضرر.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه يجب عليه أن يبيعه له نسيئة عند عدم حضور ماله، وليس مرادا، بل يجوز له أن يبيعه بثمن حال، غير أنه لا يطالبه به في حال إعساره، وفائدة الحلول جواز المطالبة عند القدرة، ولا يلزمه أن يشتريه بأكثر من ثمن مثله بل ينبغي أن يحتال في أخذه منه ببيع فاسد لئلا يلزمه أكثر من قيمته كأن يقول له: ابذله بعوض فإن اشتراه منه بأكثر من ثمن مثله ولو بأكثر مما يتغابن به لزمه ذلك وإن غبن في شرائه أو كان عاجزا عن أخذه منه وقهره لأنه مختار في الالتزام فكان كما لو اشتراه بثمن مثل فإن بذله له هبة لزمه قبوله أو بثمن المثل في مكانه وزمانه أو بزيادة يتغابن بمثلها ومعه ثمنه أو رضي بذمته لزمه شراؤه حتى بإزاره وصلى عاريا إلا إن خشي التلف بالبرد. (فلو أطعمه) أي المضطر (ولم يذكر عوضا) بل سكت عنه (فالأصح لا عوض) حملا على المسامحة المعتادة في الطعام خصوصا في حق المضطر. والثاني عليه العوض لأنه خلصه من الهلاك.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يصرح المالك بالإباحة. قال البلقيني: وكذا لو ظهرت قرينة إباحة أو تصدق فلا عوض قطعا وعلى الأول لو اختلفا في التزام عوض الطعام فقال: أطعمتك بعوض، فقال: بل مجانا صدق المالك بيمينه لأنه أعرف بكيفية بذله. ولا أجرة لمن خلص مشرفا على الهلاك بوقوعه في ماء أو نار أو نحوه بل يلزمه تخليصه بلا أجرة لضيق الوقت عن تقدير الأجرة، فإن اتسع الوقت لتقديرها لم يجب تخليصه إلا بأجرة. فإن قيل قد مر أنه لا يجب بذل الطعام للمضطر مجانا فهل يفرق فيه بين ضيق فلا يجب كما هنا، أو لا يجب عليه إلا بعوض مطلقا؟ خلاف نقل صاحب الشامل عن الأصحاب الأول. وقال الأذرعي: إنه الوجه. والذي قاله القاضي أبو الطيب وغيره واختصر عليه الأصفوني والحجازي كلام الروضة الثاني وهو الظاهر والفرق أن في إطعام المضطر بذل مال فلا يكلف بذله بلا مقابل بخلاف تخليص المشرف على الهلاك، ولو أوجر المالك المضطر قهرا، أو أوجره وهو مغمى عليه لزمه البذل لأنه غير متبرع بل يلزمه إطعامه إبقاء لمهجته، ولما فيه من التحريض على مثل ذلك. فإن قيل: قد مر في المتن أنه لو أطعمه ولم يذكر عوضا أنه لا عوض فيكون هنا كذلك كما قاله القاضي وغيره. أجيب بأن هذه حالة ضرورة فرغب فيها. (ولو وجد مضطر ميتة وطعام غيره) الغائب (أو) وجد مضطر (محرم ميتة وصيدا) مأكولا غير مذبوح ولم يجد حلالا يذبحه (فالمذهب) يجب (أكلها) أما في الأولى فلان إباحة الميتة للمضطر بالنص وإباحة مال الغير بالاجتهاد والنص أقوى، ولان حق الله تعالى أوسع. وأما في الثانية فلان فيها تحريم ذبح الصيد وتحريم أكله، وفي الميتة تحريم واحد، وما خف تحريمه أولى. والثاني يأكل الطعام والصيد. والثالث التخيير بين الاثنين في المسألتين لأن الأول نجس
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548