مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٦
منه وهو مرادهم بلا شك اه‍. وتبعه الزركشي وهو ظاهر. (وإلا) بأن لم يعلم الحابس الحال، (فلا) أي فليس بعمد بل هو شبه عمد (في الأظهر) لأنه لم يقصد إهلاكه، ولا أتى بما هو مهلك، كما لو دفعه دفعا خفيفا فسقط على سكين وراءه وهو جاهل فإنه لا قصاص. والثاني: هو عمد فيجب القصاص لحصول الهلاك به، كما لو ضرب المريض ضربا يهلكه ولا يهلك الصحيح وهو جاهل بمرضه. وأجاب الأول بأن الضرب ليس من جنس المرض فيمكن إحالة الهلاك عليه، والجوع من جنس الجوع، والقدر الذي يتعلق منه بصفة لا يمكن إحالة الهلاك عليه، حتى لو ضعف من الجوع فضربه ضربا يقتل مثله وجب القصاص.
تنبيه: مراده بقوله: وإلا فلا وجوب نصف دية شبه عمد وإن أوهمت عبارته وجوب دية شبه عمد كاملة لحصول الهلاك بالجوعين أو العطشين والذي منه أحدهما، ومسألة الحبس من السبب فكان الأولى ذكرها بعد قوله : (ويجب القصاص بالسبب) كالمباشرة، لأن ماله دخل من الافعال في الزهوق إما مباشرة، وهي ما يؤثر في الهلاك ويحصله كالجرح السابق ففيها القصاص كما مر، وإما شرط وهو ما لا يؤثر في الهلاك ولا يحصله بل يحصل التلف عنده بغيره ويتوقف تأثير ذلك الغير عليه كالحفر مع التردي فإنه لا يؤثر في التلف ولا يحصله، وإنما يؤثر التخطي في صوب الحفرة، والمحصل للتلف التردي فيها ومصادمتها، لكن لولا الحفر لما حصل التلف، ولهذا سمي شرطا. ومثله الامساك للقاتل، وهذا لا قصاص فيه، وإما سبب وهو ما يؤثر في الهلاك ولا يحصله. وجه الحصر في ذلك أن الفاعل لا يخلو إما أن يقصد عين المجني عليه أو لا، فإن قصده بالفعل المؤدي إلى الهلاك بلا واسطة فهو المباشرة، وإن أدى إليه بواسطة فهو السبب كالشهادة بموجب قصاص، وإن لم يقصد عين المجني عليه بالكلية فهو الشرط. والسبب ينقسم إلى ثلاثة أضرب، الأول: شرعي كالشهادة ويقتص من شهود الزور بشروط تأتي. والثاني: عرفي كتقديم مسموم لمن يأكله وسيأتي.
والثالث: حسي كالاكراه على القتل. وقد شرع في الضرب الأول فقال: (فلو شهدا) أي رجلان على شخص عند قاض (بقصاص) أي بموجبه في نفس أو طرف، أو شهدا عليه بردة أو سرقة، (فقتل) المشهود عليه، أو قطع بعد حكم القاضي بشهادتهما، (ثم رجعا) عنها (وقالا تعمدنا) الكذب فيها وعلمنا أنه يقتل أو يقطع بشهادتنا، (لزمهما) حينئذ (القصاص) لأنهما تسببا في إهلاكه بما يقتل غالبا فأشبه ذلك الاكراه الحسي. قال الإمام: بل أبلغ من الاكراه، لأن المكره قد يؤثر هلاك نفسه على سفك دم محرم، والقاضي لا محيص له عن الحكم بشهادتهما. أما إذا قالا لا نعلم أنه يقتل بشهادتنا فإنه ينظر إن كانا ممن يخفى عليهما ذلك لقرب عهدهما بالاسلام أو بعدهما عن العلماء لم يجب عليهما القصاص بل دية شبه عمد كما ذكراه في باب الرجوع عن الشهادة. قال البلقيني: وكذا لو قالا لم نعلم أنه يقتل بشهادتنا لظهور أمور فينا تقتضي ردها، ولكن الحاكم قصر فتجب دية شبه عمد. قال: ولم أر من تعرض له اه‍.
وإن لم يخف عليهما ذلك، فلا اعتبار بقولهما، كمن رمى سهما إلى شخص واعترف بأنه قصده ولكنه قال لم أعلم أنه يبلغه.
تنبيه: قد يرد على مفهوم قوله: تعمدنا ما لو قال كل منهما: تعمدت ولا أعلم حال صاحبي، وكذا لو اقتصر على تعمدت فإنه يلزمهما القصاص. واعلم أن المقتضي لوجوب القصاص عليهما هو رجوعهما مع اعترافهما بالتعمد لا كذبهما، حتى لو تيقنا كذبهما بأن شاهدنا المشهود بقتله حيا فلا قصاص لجواز أنهما لم يتعمدا ولو رجع أحدهما فقط، فإن قال: تعمدت أنا وصاحبي فعليه القصاص وإلا فلا. ثم استثنى من وجوب القصاص على الشاهدين قوله: (إلا أن يعترف الولي) أي ولي المقتول (بعلمه بكذبهما) في شهادتهما حين القتل كما صرح به في المحرر، فلا قصاص عليهما حينئذ، لأنهما لم يلجئا إلى قتله حسا ولا شرعا فصار قولهما شرطا محضا كالمسك مع القاتل فيجب على الولي القصاص. أما لو قال الولي: عرفت كذبهما بعد القتل فلا يسقط القصاص عنهما.
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548