منه وهو مرادهم بلا شك اه. وتبعه الزركشي وهو ظاهر. (وإلا) بأن لم يعلم الحابس الحال، (فلا) أي فليس بعمد بل هو شبه عمد (في الأظهر) لأنه لم يقصد إهلاكه، ولا أتى بما هو مهلك، كما لو دفعه دفعا خفيفا فسقط على سكين وراءه وهو جاهل فإنه لا قصاص. والثاني: هو عمد فيجب القصاص لحصول الهلاك به، كما لو ضرب المريض ضربا يهلكه ولا يهلك الصحيح وهو جاهل بمرضه. وأجاب الأول بأن الضرب ليس من جنس المرض فيمكن إحالة الهلاك عليه، والجوع من جنس الجوع، والقدر الذي يتعلق منه بصفة لا يمكن إحالة الهلاك عليه، حتى لو ضعف من الجوع فضربه ضربا يقتل مثله وجب القصاص.
تنبيه: مراده بقوله: وإلا فلا وجوب نصف دية شبه عمد وإن أوهمت عبارته وجوب دية شبه عمد كاملة لحصول الهلاك بالجوعين أو العطشين والذي منه أحدهما، ومسألة الحبس من السبب فكان الأولى ذكرها بعد قوله : (ويجب القصاص بالسبب) كالمباشرة، لأن ماله دخل من الافعال في الزهوق إما مباشرة، وهي ما يؤثر في الهلاك ويحصله كالجرح السابق ففيها القصاص كما مر، وإما شرط وهو ما لا يؤثر في الهلاك ولا يحصله بل يحصل التلف عنده بغيره ويتوقف تأثير ذلك الغير عليه كالحفر مع التردي فإنه لا يؤثر في التلف ولا يحصله، وإنما يؤثر التخطي في صوب الحفرة، والمحصل للتلف التردي فيها ومصادمتها، لكن لولا الحفر لما حصل التلف، ولهذا سمي شرطا. ومثله الامساك للقاتل، وهذا لا قصاص فيه، وإما سبب وهو ما يؤثر في الهلاك ولا يحصله. وجه الحصر في ذلك أن الفاعل لا يخلو إما أن يقصد عين المجني عليه أو لا، فإن قصده بالفعل المؤدي إلى الهلاك بلا واسطة فهو المباشرة، وإن أدى إليه بواسطة فهو السبب كالشهادة بموجب قصاص، وإن لم يقصد عين المجني عليه بالكلية فهو الشرط. والسبب ينقسم إلى ثلاثة أضرب، الأول: شرعي كالشهادة ويقتص من شهود الزور بشروط تأتي. والثاني: عرفي كتقديم مسموم لمن يأكله وسيأتي.
والثالث: حسي كالاكراه على القتل. وقد شرع في الضرب الأول فقال: (فلو شهدا) أي رجلان على شخص عند قاض (بقصاص) أي بموجبه في نفس أو طرف، أو شهدا عليه بردة أو سرقة، (فقتل) المشهود عليه، أو قطع بعد حكم القاضي بشهادتهما، (ثم رجعا) عنها (وقالا تعمدنا) الكذب فيها وعلمنا أنه يقتل أو يقطع بشهادتنا، (لزمهما) حينئذ (القصاص) لأنهما تسببا في إهلاكه بما يقتل غالبا فأشبه ذلك الاكراه الحسي. قال الإمام: بل أبلغ من الاكراه، لأن المكره قد يؤثر هلاك نفسه على سفك دم محرم، والقاضي لا محيص له عن الحكم بشهادتهما. أما إذا قالا لا نعلم أنه يقتل بشهادتنا فإنه ينظر إن كانا ممن يخفى عليهما ذلك لقرب عهدهما بالاسلام أو بعدهما عن العلماء لم يجب عليهما القصاص بل دية شبه عمد كما ذكراه في باب الرجوع عن الشهادة. قال البلقيني: وكذا لو قالا لم نعلم أنه يقتل بشهادتنا لظهور أمور فينا تقتضي ردها، ولكن الحاكم قصر فتجب دية شبه عمد. قال: ولم أر من تعرض له اه.
وإن لم يخف عليهما ذلك، فلا اعتبار بقولهما، كمن رمى سهما إلى شخص واعترف بأنه قصده ولكنه قال لم أعلم أنه يبلغه.
تنبيه: قد يرد على مفهوم قوله: تعمدنا ما لو قال كل منهما: تعمدت ولا أعلم حال صاحبي، وكذا لو اقتصر على تعمدت فإنه يلزمهما القصاص. واعلم أن المقتضي لوجوب القصاص عليهما هو رجوعهما مع اعترافهما بالتعمد لا كذبهما، حتى لو تيقنا كذبهما بأن شاهدنا المشهود بقتله حيا فلا قصاص لجواز أنهما لم يتعمدا ولو رجع أحدهما فقط، فإن قال: تعمدت أنا وصاحبي فعليه القصاص وإلا فلا. ثم استثنى من وجوب القصاص على الشاهدين قوله: (إلا أن يعترف الولي) أي ولي المقتول (بعلمه بكذبهما) في شهادتهما حين القتل كما صرح به في المحرر، فلا قصاص عليهما حينئذ، لأنهما لم يلجئا إلى قتله حسا ولا شرعا فصار قولهما شرطا محضا كالمسك مع القاتل فيجب على الولي القصاص. أما لو قال الولي: عرفت كذبهما بعد القتل فلا يسقط القصاص عنهما.