تنبيه: هذا إذا تمحض القصاص، فلو شهدا على قاطع الطريق ثم رجعا لم يسقط القصاص عنهما باعتراف الولي بكذبهما، لأن حق الله تعالى باق. وخرج بولي المقتول ولي القاتل، فإنه إذا قال: أنا أعلم كذبهما في رجوعهما وأن مورثي قتله فلا قصاص على أحدهما. قال البلقيني: وهذا واضح. وقد يرد على حصره ما لو اعترف القاضي بعلمه بكذبهما حين الحكم أو القتل دون الولي فالقصاص عليه دون الشهود. وسيذكر المصنف رجوع الشهود آخر كتاب الشهادات بأبسط مما هنا. وخرج بالشاهد الراوي، كما لو أشكلت حادثة على قاض فروى له فيها إنسان خبرا فقتل الحاكم به شخصا ثم رجع الراوي وقال: تعمدت الكذب فلا قصاص عليه كما نقله في الروضة كأصلها قبيل الديات عن الإمام وغيره، خلافا للبغوي في فتاويه. وقياسه ما لو استفتى القاضي شخصا فأفتاه بالقتل ثم رجع كما بحثه بعض المتأخرين.
ثم شرع في الضرب الثاني وهو السبب العرفي، فقال: (ولو ضيف بمسموم) يقتل غالبا، أو ناوله (صبيا) غير مميز كما قيده به الإمام وغيره ونقله الشيخ أبو حامد عن النص، (أو مجنونا) فأكله (فمات) منه (وجب القصاص) لأنه ألجأه إلى ذلك، سواء قال له هو مسموم أم لا. وفي معناهما الأعجمي الذي يعتقد وجوب طاعة أمره. وأما المميز فكالبالغ، وكذا المجنون الذي له تمييز كما قاله البغوي. (أو) ضيف به (بالغا عاقلا ولم يعلم) الضيف (حال الطعام فدية) ولا قصاص لأنه تناوله باختياره من غير إلجاء. (وفي قول قصاص) ورجحه البغوي وغيره. واستدل له المتولي بقتله (ص) اليهودية التي سمت له الشاة بخيبر لما مات بشر بن البراء بن معرور. قال في البحر:
والاستدلال بذلك ضعيف، لأنها لم تقدم الشاة إلى الأضياف، بل بعثتها إليه (ص) وهو أضاف أصحابه.
وما هذا سبيله لا يلزمه قصاص. ولا ينافي الأول ما في الصحيحين أنه (ص) عفا عنها، لأن ذلك كان في الابتداء فلما مات بشر أمر بقتلها. (وفي قول لا شئ) من قصاص أو دية تغليبا للمباشرة على السبب. أما إذا علم الضيف حال الطعام فلا شئ على المضيف جزما، لأنه المهلك نفسه. (ولو دس سما) بتثليث السين والفتح أفصح، وهو شئ يضاد القوة الحيوانية. (في طعام شخص الغالب أكله منه فأكله جاهلا) بالحال فمات. (فعلى الأقوال) في المسألة قبلها. وجه الثاني التسبب. والأول قال: يكفي فيه الدية. وعلى الثلاثة يجب له قيمة الطعام لأن الداس أتلفه عليه. ومثل الطعام في ذلك ماء على طريق شخص معين والغالب شربه منه. واحترز بقوله: في طعام شخص عما إذا دسه في طعام نفسه فأكل منه شخص عادته الدخول عليه فإنه هدر. وقوله: الغالب أكله منه زيادة على المحرر، وهي في الشرحين ولم يتعرض لها الأكثرون. وقضيته أنه إذا كان أكله منه نادرا يكون هدرا، وجرى على ذلك جمع من الشراح. وليس مرادا وإنما هو لأجل الخلاف حتى يأتي القول بالقصاص وإلا فالواجب دية شبه العمد مطلقا، نبه على ذلك شيخي فتنبه له فإنه يغفل عنه كثير من الطلبة.
فروع: لو قال لعاقل: كل هذا الطعام وفيه سم فأكله فمات فلا قصاص ولا دية كما نص عليه في الام وجزم به الماوردي. ولو ادعى القاتل الجهل بكونه سما فقولان، والأوجه ما قاله المتولي أنه إن كان ممن يخفى عليه ذلك صدق وإلا فلا. فإن ادعى الجهل بكونه قاتلا فالقصاص. ولو قامت بينة بأن السم الذي أوجره يقتل غالبا وقد ادعى أنه لا يقتل غالبا وجب القصاص، فإن لم تقم بينة بذلك صدق بيمينه. ولو أوجر شخصا سما لا يقتل غالبا فشبه عمد أو يقتل مثله غالبا فالقصاص، وكذا إكراه جاهل عليه لا عالم. وكلام أصل الروضة هنا محمول على هذا بقرينة ذكره له في الكلام على إكراهه على قتل نفسه. ولا يجب على المجني عليه معالجة الجناية بما يدفعها: (و) حينئذ (لو ترك المجروح علاج جرح مهلك) له (فمات) منه (وجب القصاص) جزما على الجارح، لأن البرء غير موثوق به لو عولج، والجراحة في نفسها مهلكة. أما ما لا يهلك كأن فصده فلم يعصب العرق حتى مات فإنه لا ضمان لأنه الذي قتل