مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٧٣
دينارا أو مائتي درهم أو ما قيمته أحدهما، وحقوق الأموال كالخيار والأجل. وحق الشفعة إن تعلقت بمال هو نصاب غلظ فيها وإلا فلا. واحتج للتغليظ بما رواه الشافعي والبيهقي عن عبد الرحمن بن عوف: أنه رأى قوما يحلفون بين المقام والبيت، فقال: أعلى دم؟ فقالوا: لا، فقال: أفعلى عظيم من المال؟ قالوا: لا، قال: خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام. ويستوى فيه يمين المدعى عليه والمدعي ولو مع شاهد كما مر، وقد يقتضي الحال التغليظ من أحدهما دون الآخر كعبد خسيس لا تبلغ قيمته نصاب الزكاة ادعى على سيده عتقا أو كتابة فأنكر ونكل فتغلظ اليمين على العبد لأن مدعاه ليس بمال، لا على سيده إذا حلف، لأن قصده استدامة مال قليل، وتغلظ في الوقف إن بلغ نصابا على المدعي والمدعى عليه.
وأما الخلع بالقليل من المال إن ادعاه الزوج وأنكرت الزوجة وحلف أو نكلت وحلف هو فلا تغليظ على واحد منهما، وإن ادعته وأنكر وحلف أو نكل وحلفت هي غلظ عليهما، لأن قصدها الفراق وقصده استدامة النكاح. أما الخلع بالكثير فتغلظ فيه مطلقا، ولا تغلظ على حالف أنه لا يحلف يمينا مغلظة بناء على أن التغليظ مستحب ولو كان حلفه بغير الطلاق كما هو قضية النص وإن قيده في الروض كأصله بالطلاق (وسبق بيان التغليظ) بالزمان والمكان وحضور جمع (في) أثناء كتاب (اللعان) لكن لا يغلظ هنا بحضور جمع كما صوبه في زيادة الروضة.
تنبيه: قضية كلامه انحصار التغليظ فيما سبق، وليس مرادا بل يندب التغليظ بزيادة الأسماء والصفات أيضا كأن يقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم السر والعلانية، أو: بالله الطالب الغالب المدرك المهلك الذي يعلم السر وأخفى، كذا قالاه تبعا لجمع من الأصحاب. فإن قيل: هذا لا يجوز لأن صفات الله تعالى لا بد فيها من توقيف، ولم يرد توقيف في الطالب الغالب. أجيب بأن هذا من قبل أسماء المفاعلة الذي غلب فيه معنى الفعل دون الصفة فالتحق بالافعال، وإضافة الافعال إلى الله تعالى لا تتوقف على توقيف، ولذلك توسع الناس في ذلك في تحميداتهم وتمجيداتهم وغيرها. قال الأذرعي: والأحوط اجتناب هذه الألفاظ، ولهذا لم يذكره الشافعي وكثير من الأصحاب اه‍. وهو كما قال. واستحب الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم أن يقرأ على الحالف: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) * الآية، ويحضر المصحف ويوضع في حجر الحالف، قال الشافعي: وكان ابن الزبير ومطرف قاضي صنعاء يحلفان به، وهو حسن وعليه الحكام باليمين. وقال رضي الله عنه في باب كيفية اليمين من الام: وقد كان من حكام الآفاق من يستحلف على المصحف، وذلك عندي حسن. وقال القاضي الحسين: وهذا التغليظ مستحب.
هذا إذا كان الحالف مسلما، فإن كان يهوديا حلفه القاضي: بالله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق ، أو نصرانيا حلفه: بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، أو مجوسيا أو وثنيا حلفه: بالله الذي خلقه وصوره. قال الدارمي: ولا يحلفهم بما يجهل كقوله: والله الذي أرسل كذا أو أنزل كذا لرسول وكتاب لا يعرفهما. ويستثنى من إطلاق المصنف المريض الذي به مرض شاق والزمن والحائض والنفساء، فلا يغلظ عليهم بالمكان لعذرهم. ولا يجوز لقاض أن يحلف أحدا بطلاق أو عتق أو نذر كما قاله الماوردي وغيره. قال الشافعي ومتى بلغ الإمام أن قاضيا يستحلف الناس بطلاق أو عتق أو نذر عزله عن الحكم لأنه جاهل. وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من أهل العلم يرى الاستحلاف بذلك.
ثم شرع في كيفية اليمين بقوله: (ويحلف) الشخص (على البت) بمثناة فوقية وهو القطع والجزم، (في فعله) إثباتا كان أو نفيا لأنه يعلم حال نفسه ويطلع عليها، فيقول في البيع والشراء في الاثبات: والله لقد بعت بكذا أو اشتريت بكذا، وفي النفي: والله ما بعت بكذا ولا اشتريت بكذا.
تنبيه: قضية التوجيه بما ذكر أنه لو صدر الفعل منه في جنونه أو إغمائه أو سكره الطافح وتوجهت اليمين عليه بعد كماله أنه لا يحلف على البت، قال ابن شهبة: ولم أره منقولا اه‍. والظاهر أنهم جروا في ذلك على الغالب.
(وكذا فعل غيره) يحلف فيه أيضا على البت (إن كان إثباتا) كبيع وإتلاف وغصب لأنه يسهل الوقوف عليه، كما
(٤٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548