مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٠٤
تنبيه: من نصب أرباب المسائل حاكما في الجرح والتعديل كفى أن ينهي إلى القاضي وحده ذلك، فلا يعتبر العدد لأنه حاكم فالحكم مبني على قوله، وكذا لو أمر القاضي صاحب المسألة بالبحث فبحث وشهد بما بحثه، لكن يعتبر العدد لأنه شاهد. قال في أصل الروضة: وإذا تأملت كلام الأصحاب فقد تقول ينبغي أن لا يكون فيه خلاف محقق، بل إن ولي صاحب المسألة الجرح والتعديل فحكم القاضي مبني على قوله، فلا يعتبر العدد لأنه حاكم، وإن أمره بالبحث فبحث ووقف على حال الشاهد وشهد به، فالحكم أيضا مبني على قوله، لكن يعتبر العدد لأنه شاهد، وإن أمره بمراجعة مزكين وإعلامه ما عندهما فهو رسول محض فليحضر أو يشهدا، وكذا لو شهدا على شهادتهما لأن شاهد الفرع لا يقبل مع حضور الأصل اه‍. فقد رفع بذلك الخلاف في أن الحكم بقول المزكين أو بقول هؤلاء. والذي نقله عن الأكثرين أنه بقول هؤلاء، وهو كما قال شيخنا المعتمد. واعتذر ابن الصباغ عن كونه شهادة على شهادة مع حضور الأصل بالحاجة، لأن المزكين لا يكلفون الحضور. ويعتبر فيمن نصب حاكما في الجرح والتعديل صفات القضاة. (وشرطه) أي المزكى الذي يشهد بالعدالة مثلا، (كشاهد) أي كشرطه. وقضيته عدم شهادة الأب بتعديل الابن وعكسه، وهو الأصح.
(مع معرفة) أسباب (الجرح والتعديل) لئلا يجرح العدل ويزكى الفاسق، (وخبرة باطن من يعدله لصحبة أو جوار) بكسر الجيم أفصح من ضمها، (أو معاملة) ونحوها، فعن عمر رضي الله تعالى عنه أن اثنين شهدا عنده، فقال لهما: إني لا أعرفكما، ولا يضركما أني لا أعرفكما، ائتيا بمن يعرفكما فأتيا برجل، فقال له عمر: كيف تعرفهما؟ قال: بالصلاح والأمانة، قال: هل كنت جارا لهما تعرف صباحهما ومساءهما ومدخلهما ومخرجهما؟ قال: لا، قال: هل عاملتهما بهذه الدراهم والدنانير التي يعرف بهما أمانات الرجال؟ قال: لا، قال: هل صاحبتهما في السفر الذي يسفر عن أخلاق الرجال؟ قال: لا، قال: فأنت لا تعرفهما، ائتيا بمن يعرفكما والمعنى فيه أن أسباب الفسق خفية غالبا، فلا بد من معرفة المزكى حال من يزكيه.
ويشترط علم القاضي بأنه خبير بباطن الحال إلا إذا علم من عدالته أنه لا يزكى إلا بعد الخبرة فيعتمده. ولا يعتبر في خبرة الباطن التقادم في معرفته، بل يكتفي بشدة الفحص ولو غريبا يصل المزكى بفحصه إلى كونه خبيرا بباطنه، فحين يغلب على ظنه عدالته باستفاضة شهد بها. واحترز المصنف بقوله: من يعدله عن الشاهد بالجرح، فإنه لا يشترط فيه الخبرة الباطنة فإنه لا يقبل إلا مفسرا. وما ذكره من اعتبار شروط الشاهد محله في غير المنصوب، أما من نصب حاكما في الجرح والتعديل فيعتبر فيه صفات القاضي كما مر. وقوله: وخبرة ومجرور بالعطف على قوله: مع معرفته، وجوز ابن الفركاح رفعه بالعطف على خبرة قوله: وشرطه خبرة. (والأصح اشتراط لفظ شهادة) من المزكى، فيقول: أشهد أنه عدل أو غير عدل لكذا كسائر الشهادات. والثاني: لا يشترط لفظها، بل يكفي أعلم وأتحقق وهو شاذ. (و) الأصح (أنه يكفي) مع لفظ الشهادة قول المزكى: (هو عدل) لأنه أثبت العدالة التي اقتضاها ظاهر قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * وهذا ما نص عليه في حرملة. (وقيل) ونص عليه في الام والمختصر: (يزيد) على ذلك قوله: (علي ولي) لأن قوله:
هو عدل لا يمنع أن يكون عدلا في شئ دون شئ، فهذه الزيادة تزيل الاحتمال، وعلى الأول تأكيد. ولو شهد عند القاضي جماعة وأشكل عليه عدالتهم فأخبر نائب القاضي أن اثنين منهم عدلان، فإن عينهما حكم وإلا فلا. (ويجب ذكر سبب الجرح) صريحا كقوله: هو زان أو قاذف أو سارق أو نحو ذلك، أو يقول ما يعتقده من البدعة المنكرة، لأن أسباب الجرح مختلف فيها، فلا بد من البيان ليفعل القاضي باجتهاده، ويكفي ذكر بعض أسباب. وقيل إن كان الجارح عالما بالأسباب اكتفي بإطلاقه وإلا فلا.
(٤٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548