مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٠٣
(لا يقبل غيرهم) لما فيه من التضييق على الناس، إذ قد يتحمل الشهادة غيرهم، فإذا لم يقبل ضاع الحق، وقد قال تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * فإن عين شهودا وقبل غيرهم لم يحرم ولم يكره كما قاله الماوردي. (وإذا شهد) عند القاضي (شهود فعرف) فيهم (عدالة أو فسقا عمل بعلمه) فيهم فيقبل من عرف عدالته ولم يحتج إلى تعديل وإن طلبه الخصم، ويرد من عرف فسقه ولا يحتاج إلى بحث.
تنبيه: محل هذا في العدالة في غير أصله وفرعه، أما هما ففيهما وجهان، أرجحهما كما قاله البلقيني عدم الجواز ما لم تقم عنده بينة بعدالتهما تفريعا على تصحيح الروضة أنه لا يقبل تزكيته لهما. (وإلا) بأن لم يعرف القاضي في الشهود عدالة ولا فسقا، (وجب الاستزكاء) أي طلب القاضي منهم التزكية، وهي البحث عن حال الشهود سواء أطلبه الخصم أم لا، طعن في الشهود أم لا، اعترف بعدالتهم أم لا، لأن الحكم يقع بشهادتهم فيجب البحث عن شرطها. نعم لو صدقهما الخصم فيما شهدوا به قضى بإقراره لا بالبينة.
تنبيه: لو جهل إسلام الشهود رجع فيه إلى قولهم بخلاف جهله بحريتهم، فإنه لا بد من البينة. ولو شهد عليه شاهدان معروفان بالعدالة واعترف الخصم بما شهدا به قبل الحكم عليه، فالحكم بالاقرار لا بالشهادة لأنه أقوى، بخلاف ما لو أقر بعد الحكم فإن الحكم قد مضى مستندا إلى الشهادة، هذا ما نقله في أصل الروضة عن الهروي وأقره. وتقدم في باب الزنا أن الأصح عند الماوردي اعتبار الأسبق من الاقرار والشهادة، وتقدم ما فيه. وقول ابن شهبة: والصحيح استناده إلى المجموع ممنوع. ثم بين صورة الاستزكاء بقوله: (بأن) أي كأن (يكتب) القاضي (ما يتميز به الشاهد والمشهود له، و) المشهود (عليه) من اسم وكنية إن اشتهر بها، وولاء إن كان عليه ولاء، واسم أبيه وجده وحليته وحرفته وسوقه ومسجده لئلا يشتبه بغيره، وقد يكون بينهما وبين الشاهد ما يمنع الشهادة كبغضة أو عداوة، فإن كان الشاهد مشهورا وحصل التمييز ببعض هذه الأوصاف اكتفي به. (وكذا قدر) المشهود به من (الدين) وغيره (على الصحيح ) لأنه قد يغلب على الظن صدق الشاهد في القليل دون الكثير. والثاني: لا يكتبه، لأن العدالة لا تختلف بقلة المال وكثرته، ونقله الإمام عن معظم الأئمة، وقال عن الأول: ليس بسديد، فكان الأولى التعبير بالأصح لا بالصحيح، وأن يقول: وكذا ما شهدوا به ليعلم الدين والعين والنكاح والقتل وغيرها، وليستغني عما قدرته في كلامه. (و) أن (يبعث به) أي بما كتبه (مزكيا) هو نصب بإسقاط الخافض، وصرح به في المحرر، فقال: إلى مزك. وفي الشرح والروضة: ينبغي أن يكون للقاضي مكون وأصحاب مسائل، فالمزكون الرجوع إليهم ليبينوا حال الشهود، وأصحاب المسائل هم الذين يبعثهم القاضي إلى المزكين ليبحثوا ويسألوا، وربما فسر أصحاب المسائل في لفظ الشافعي رضي الله عنه بالمزكين اه‍. قال في الروضة:
ويكتب لكل مزك كتابا ويدفعه إلى صاحب مسألة ويخفي كل كتاب عن غير من دفعه إليه وغير من يبعثه احتياطا لئلا يسعى المشهود له في التزكية والمشهود عليه في الجرح. (ثم) إن عاد إليه الرسل بجرح من المزكين توقف عن الحكم وكتم الجرح وقال للمدعي: زدني في الشهود أو عادوا إليه بتعديل لم يحكم بقولهم، بل (يشافهه) أي القاضي (المزكى) المبعوث إليه (بما عنده) من حال الشهود من جرح أو تعديل، لأن الحكم يقع بشهادته ويشير إلى المزكي ليأمن بذلك الغلط من شخص إلى آخر، ولا يقتصر المزكى على الكتابة للقاضي مع أصحاب المسائل في الأصح. (وقيل تكفي كتابته) له معهم من غير مشافهة، وهذا ما اختاره القاضي حسين وأصحابه وعليه عمل القضاة الآن من اكتفائهم برؤية سجل العدالة وليس المراد بالمزكى واحدا كما يشعر به كلامه بل اثنين فأكثر.
(٤٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548