مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٠١
التكافؤ في القصاص ليس مما نحن فيه بسبيل، ولو اعتبرناه لرفع الحر على العبد والوالد على الولد. (وإذا) حضر الخصمان بين يديه و (جلسا) أو وقفا كما هو الغالب، (فله أن يسكت) عنهما حتى يتكلما لأنهما حضرا ليتكلما. (و) له (أن يقول) إن لم يعرف المدعي: (ليتكلم المدعي) منكما، لأنه ربما هاباه. وله إن عرفه أن يقول له: تكلم كما في الروضة وأصلها. والأولى أن يقول ذلك القائم بين يديه، فإن طال سكوتهما بغير سبب من هيبة وتحرير كلام ونحوهما قال: ما خطبكما؟ قال الماوردي: فإن لم يدع واحد منهما أقيما من مكانهما. قال الماوردي: والأولى بالخصم أن يستأذن القاضي في الكلام. (فإذا ادعى) أحدهما دعوى صحيحة، (طالب خصمه بالجواب) وإن لم يسأله المدعي، لأن المقصود فصل الخصومة وبذلك تنفصل، فيقول له: ما تقول؟ أو: اخرج من دعواه إن كانت ممكنة فإن علم كذب المدعي مثل أن يدعي الذمي استئجار الأمير أو الكبير لعلف الدواب أو كنس بيته وكدعوى المعروف بالعيب وجر ذوي الاقدار لمجلس القضاة واستحلافهم ليفتدوا منه بشئ فكذلك، خلافا للأصطخري في قوله لا يلتفت إليه.
(فإن أقر) بما ادعى عليه به حقيقة وحكما، (فذاك) ظاهر في ثبوته بغير حكم بخلاف البينة، لأن دلالة الاقرار ولو حكما على وجوب الحق جلية إذ الانسان على نفسه بصير، بخلاف البينة فإنها تحتاج إلى نظر واجتهاد. وللمدعي بعد الاقرار أن يطلب من القاضي الحكم عليه. (وإن أنكر) الدعوى، وهي مما لا يمين فيها في جانب المدعى، (فله) أي القاضي (أن يقول للمدعي: ألك بينة) وإن كان الحق مما يثبت بالشاهد واليمين قال له: ألك بينة أو شاهد مع يمين؟ فإن كان اليمين في جانب المدعي لكونه أمينا أو في قسامة قال له: أتحلف؟ ويقول للزوج المدعي على زوجته بالزنا: أتلاعنها؟
فلو عبر المصنف بالحجة بدل البينة كان أولى ليشمل جميع ذلك. (و) للقاضي (أن) لا يستفهم المدعي عن البينة بأن (يسكت) تحرزا عن اعتقاد ميله إلى المدعي. نعم إن جهل المدعي أن له إقامة البينة فلا يسكت، بل يجب إعلامه بأن له ذلك كما أفهمه كلام المهذب وغيره. وقال البلقيني: إن علم علمه بذلك فالسكوت أولى، وإن شك فالقول أولى، وإن علم جهله به وجب إعلامه اه‍. وهو تفصيل حسن. (فإن قال) المدعي: (لي بينة) وأقامها، فذاك (وأريد تحليفه فله ذلك) لأنه إن تورع عن اليمين وأقر سهل الامر على المدعي واستغنى عن إقامة البينة، وإن حلف أقام المدعي البينة وأظهر خيانته وكذبه، فله في طلب تحليفه غرض ظاهر. واستثنى البلقيني ما إذا ادعى لغيره بطريق الولاية أو النظر أو الوكالة أو لنفسه ولكن كان محجورا عليه بسفه أو فلس أو مأذونا له في التجارة أو مكاتبا فليس له ذلك في شئ من هذه الصور لئلا يحلف، ثم يرفعه لحاكم يرى منع البينة بعد الحلف فيضيع الحق. ورد بأن المطالبة متعلقة بالمدعي فلا يرفع غريمه إلا لمن يسمع البينة بعد الحلف بتقدير أن ما ينفصل أمره عند الأول. (أو) قال: (لا بينة لي) وأطلق، أو زاد عليه: لا بينة لي حاضرة ولا غائبة، أو: كل بينة أقيمها فهي باطلة أو كاذبة أو زور، وحلفه (ثم أحضرها قبلت في الأصح) لأنه ربما لم يعرف بينة أو نسي، ثم عرف أو تذكر. والثاني: لا للمناقضة، إلا أن يذكر لكلامه تأويلا ككنت ناسيا أو جاهلا، ونسبه الماوردي والروياني إلى الأكثرين. أما لو قال: لا بينة لي حاضرة ثم أحضرها، فإنها تقبل قطعا لعدم المناقضة. ولو قال: شهودي فسقة أو عبيد فجاء بعدول، وقد مضت مدة استبراء أو عتق، أقبلت شهادتهم وإلا فلا. قال الأذرعي: وهذا ظاهر فيما إذا اعترف أن هذه البينة هي التي نسب إليها ذلك، أما لو أحضر بينة عن قرب فقال: هذه بينة عادلة جهلتها أو نسيتها غير تلك ثم علمتها أو تذكرتها، فيشبه أن تقبل لا سيما إذا كانت حرية المحضرين وعدالتهم مشهورة.
تنبيه: يندب للقاضي بعد ظهور وجه الحكم ندب الخصمين إلى صلح يرجى، ويؤخر له الحكم يوما ويومين برضاهما، بخلاف ما إذا لم يرضيا. (وإذا ازدحم) في مجلس القاضي (خصوم) مدعون، (قدم) حتما (الأسبق)
(٤٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548