مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٩٨
أو بشفعة الجوار، وينبغي عدم جوازه لاعتقاده خلافه اه‍. وهذا لا يأتي مع تعليلهم المذكور. (ولا يقضي) القاضي (بخلاف علمه بالاجماع) كما إذا شهد شاهد أن بزوجية بين اثنين وهو يعلم أن بينهما محرمية أو طلاقا بائنا، فلا يقضي بالبينة في ذلك لأنه لو قضى به لكان قاطعا ببطلان حكمه والحكم بالباطل محرم.
تنبيه: اعترض على المصنف دعواه الاجماع بوجه حكاه الماوردي بأنه يحكم بالشهادة المخالفة لعلمه. وأجيب بأن لنا خلافا في أن الأوجه هل تقدح في الاجماع بناء على أن لازم المذهب هل هو مذهب أو لا، والراجح أنه ليس بمذهب فلا تقدح. وتعبير المصنف مشعر بأنه لو قضى بشهادة شاهدين لا يعلم صدقهما ولا كذبهما يكون قاضيا بخلاف علمه، فلا ينفذ قضاؤه، وليس مرادا بل هو نافذ جزما، فلو عبر ك الماوردي وغيره ب‍ لا يقضي بما يعلم خلافه كان أولى. وقوله:
ولا يقضي بخلاف علمه يندرج فيه حكمه بخلاف عقيدته، قال البلقيني: وهذا يمكن أن يدعى فيه اتفاق العلماء، لأن الحكم إنما يبرم من حاكم بما يعتقده. (والأظهر أنه يقضي بعلمه) ولو علمه قبل ولايته أو في غير محل ولايته. وسواء أكان في الواقعة بينة أم لا، لأنه إذا حكم بما يفيد الظن وهو الشاهدان أو شاهد ويمين فبالعلم أولى. وعلى هذا يقضي بعلمه في المال قطعا، وكذا في القصاص وحده القذف في الأظهر. والثاني: المنع لما فيه من التهمة. ورد بأنه لو قال:
ثبت عندي وصح لدي كذا قبل قطعا مع احتمال التهمة. وعلى الأول يكره كما أشار إليه الشافعي في الام، قال الربيع:
كان الشافعي يرى القضاء بالعلم ولا يبوح به مخافة قضاة السوء. قال الماوردي: ولا بد أن يقول للمنكر قد علمت أن له تمليك ما ادعاه وحكمت عليك بعلمي، فإن ترك أحد هذين لم ينفذ. وشرط الشيخ عز الدين في القواعد كون الحاكم ظاهر التقوى والورع.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف جريان الخلاف في الجرح والتعديل، وهي طريقة ضعيفة والمشهور القطع بأنه يقضي فيه بالعلم، وقد جزم المصنف في الفصل الآتي: ولا يقضي بعلمه جزما لاصله وفرعه وشريكه في المشترك وما المراد بالعلم الذي يقضي به اه‍. واليقين الذي لا يحتمل غيره أو غلبة الظن مطلقا؟ والراجح الثاني كما يقتضيه كلام الرافعي، فمتى تحقق الحاكم طريقا تسوغ الشهادة للشاهد جاز له الحكم بها كمشاهدة القرض والابراء أو استصحاب حكمهما، وكمشاهدة اليد والتصرف مدة طويلة بلا معارض، وكخبرة باطن المعسر ومن لا وارث له ونحو ذلك. ولا يكتفي في ذلك بمجرد الظنون وما يقع في القلوب بلا أسباب لم يشهد الشرع باعتبارها. هذا كله فيما علمه بالمشاهدة، أما ما علمه بالتواتر فهو أولى، لأن المحذور ثم التهمة، فإذا شاع الامر زالت. واختار البلقيني التفصيل بين التواتر الظاهر لكل أحد كوجود بغداد فيقضي به قطعا، وبين التواتر المختص فيتخرج على خلاف القضاء بالعلم. واستثنى البلقيني من القضاء بالعلم ما لو علم القاضي بالابراء فذكره للمقر فقال: أعرف صدور الابراء منه، ومع ذلك فدينه باق علي، فإن القاضي يقضي على المقر بما أقر به، وإن كان على خلاف ما علمه القاضي، لأن الخصم قد أقر بما يدفع علم القاضي. قال: ولم أر من تعرض لذلك وهو فقه واضح اه‍. ورد بأن هذا ليس بقضاء على خلاف العلم، لأن إقرار الخصم المتأخر عن الابراء قد يرفع حكم الابراء فصار العمل به لا بالبينة ولا بالاقرار المتقدم. واستثني من محل الخلاف بالقضاء بالعلم صور، أحدها: ما لو أقر في مجلس قضائه بشئ فله أن يقضي به قطعا، لكنه قضاء بالاقرار لا بالعلم. ثانيها: لو علم الإمام استحقاق من طلب الزكاة جاز الدفع له. ثالثها:
لو عاين القاضي اللوث كان له اعتماده، ولا يخرج على الخلاف في القضاء بالقضاء بالعلم. رابعها: أن يقر عنده بالطلاق الثلاث، ثم يدعي زوجيتها. خامسها: أن يدعي أن فلانا قتل أباه وهو يعلم أنه قتله غيره. (إلا في حدود الله تعالى) كالزنا والسرقة والمحاربة والشرب، فلا يقضي بعلمه فيها لأنها تدرأ بالشبهات ويندب سترها، والتعزيرات المتعلقة بحق الله تعالى كالحدود المتعلقة به تعالى كما قاله البلقيني. ويستثنى من ذلك ما إذا علم القاضي من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الردة، فقد أفتى البلقيني بأن القاضي يقضي عليه بالاسلام بعلمه ويرتب عليه أحكامه. واستثني أيضا ما إذا اعترف في مجلس الحكم بما يوجب الحد ولم يرجع عن إقراره فإنه يقضي
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548