مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٥٢
هبة صدقة، نعم إن نواها به حنث كما صرح به الإمام ولا يحنث بالإعارة والضيافة ويحنث بالوقف عليه، لأن الوقف صدقة. فإن قيل: ينبغي أن يحنث به فيما مر أيضا، لأنه تبين بهذا أن الوقف صدقة، وكل صدقة هبة. أجيب بأن هذا الشكل غير منتج لعدم اتحاد الوسط، إذ محمول الصغرى صدقة لا تقتضي الملك وموضع الكبرى صدقة تقتضيه كما مر في بابها.
فروع: لو حلف لا يبره حنث بجميع التبرعات كإبرائه من الدين وإعتاقه وهبته وإعارته لأن كلا منها يعد برا عرفا بإعطائه الزكاة كما لو قضى دينا أو لا يشارك فقارض. قال الخوارزمي: حنث لأنه نوع من الشركة وهو كما قال الزركشي ظاهر بعد حصول الربح دون ما قبله أو لا يتوضأ فتيمم لم يحنث أو لا يضمن لفلان مالا فكفل بدن مديونه لم يحنث لأنه لم يأت بالمحلوف عليه، أو لا يذبح الجنين فذبح شاة في بطنها جنين حنث لأن ذكاتها ذكاته، أو لا يذبح شاتين لم يحنث بذلك، لأن الايمان يراعى فيها العادة، وفي العادة لا يقال إن ذلك ذبح لشاتين، ويحتمل أن لا يحنث في الأولى أيضا، وهذا الاحتمال كما قال الأذرعي أقرب، أو لا يقرأ في مصحف ففتحه وقرأ فيه حنث، أو لا يدخل هذا المسجد فدخل زيادة حادثة فيه بعد اليمين، أو لا يكتب بهذا القلم وهو مبري فكسر ثم بري فكتب به لم يحنث وإن كانت الأنبوبة واحدة لأن اليمين في الأولى لم تتناول الزيادة حال الحلف والقلم في الثانية اسم للمبري دون القصبة، وإنما يسمى قبل البري قلما مجازا لأنه سيصير قلما، أو لا آكل اليوم إلا أكلة واحدة فاستدام من أول النهار إلى آخره لم يحنث، وإن قطع الاكل قطعا بينا ثم عاد حنث، وإن قطع لشرب أو انتقال من لون إلى آخر، أو انتظار ما يحمل إليه من الطعام ولم يطل الفصل لم يحنث. (أو لا يأكل طعاما اشتراه زيد لم يحنث بما اشتراه) زيد (مع غيره) شركة معا أو مرتبا، لأن كل جزء من الطعام لم يختص زيد بشرائه بدليل أنه لا يقال اشتراه فلان بل بعضه، ولا يحنث بما اشتراه لزيد وكيله أو ملكه بقسمة وإن جعلناها بيعا أو بصلح أو إرث أو هبة أو وصية أو رجع إليه برد بعيب أو إقالة وإن جعلناها بيعا (وكذا لو قال) لا آكل (من طعام اشتراه زيد) لم يحنث بما ذكره في المتن (في الأصح) لما مر والثاني يحنث به، لأن غرض الحالف الامتناع عما ثبت لزيد منه شراء وهو موجود (ويحنث بما اشتراه) زيد (سلما) أو إشراكا أو تولية أو مرابحة، لأنها أنواع من الشراء. فإن قيل: ما ذكره المصنف في السلم مناقض لما صححه في بابه من عدم انعقاده بلفظ البيع. أجيب بأنه لا يلزم من كون السلم بيعا في الحقيقة أن يصح بلفظ البيع بل بلفظ السلم. وهذا كما أن التولية والاشراك بيع حقيقي ولا يصحان بلفظ البيع، وسببه أن هذه بيوع خاصة والخاص فيه قدر زائد على العام فلا يصح إيراده بالعام لفوات المعنى الزائد على العام.
تنبيه: لو اشتراه زيد لغيره، أو اشتراه ثم باعه، أو باع بعضه فأكل منه حنث، ولا يحنث بما ملكه زيد بإرث، أو هبة، أو وصية، أو رجع إليه برد بعيب، أو إقالة أو خلص له بالقسمة وإن جعلناها بيعا، وكذا الصلح، لأن لفظ الصلح موضوع للرضا بترك بعض الحق، ولا بما اشتراه له وكيله. (ولو اختلط ما اشتراه) زيد (بمشترى غيره لم يحنث) بأكله من المختلط (حتى يتيقن أكله من ماله) بأن يأكل قدرا صالحا كالكف والكفين، لأنه يتحقق أن فيه مما اشتراه زيد، بخلاف عشر حبات وعشرين حبة.
تنبيه: قوله بمشترى غيره ليس بقيد فإن اختلاطه بملك الغير كذلك وسواء أملكه ذلك الغير بالشراء أم بغيره.
وقوله: حتى يتيقن مثله الظن، وقضية كلامه أنه لا فرق فيما ذكره بين أن يقول طعاما اشتراه أو من طعام اشتراه وهو ظاهر في الثانية. وأما الأولى ففي تحنيثه بالبعض توقف لاعطاء اللفظ الجميع، لا سيما إذا قصده وهذا كله عند الاطلاق، فلو قال أردت طعاما يشتريه سائغا أو خالصا حنث به، لأنه غلظ على نفسه.
(٣٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548