هبة صدقة، نعم إن نواها به حنث كما صرح به الإمام ولا يحنث بالإعارة والضيافة ويحنث بالوقف عليه، لأن الوقف صدقة. فإن قيل: ينبغي أن يحنث به فيما مر أيضا، لأنه تبين بهذا أن الوقف صدقة، وكل صدقة هبة. أجيب بأن هذا الشكل غير منتج لعدم اتحاد الوسط، إذ محمول الصغرى صدقة لا تقتضي الملك وموضع الكبرى صدقة تقتضيه كما مر في بابها.
فروع: لو حلف لا يبره حنث بجميع التبرعات كإبرائه من الدين وإعتاقه وهبته وإعارته لأن كلا منها يعد برا عرفا بإعطائه الزكاة كما لو قضى دينا أو لا يشارك فقارض. قال الخوارزمي: حنث لأنه نوع من الشركة وهو كما قال الزركشي ظاهر بعد حصول الربح دون ما قبله أو لا يتوضأ فتيمم لم يحنث أو لا يضمن لفلان مالا فكفل بدن مديونه لم يحنث لأنه لم يأت بالمحلوف عليه، أو لا يذبح الجنين فذبح شاة في بطنها جنين حنث لأن ذكاتها ذكاته، أو لا يذبح شاتين لم يحنث بذلك، لأن الايمان يراعى فيها العادة، وفي العادة لا يقال إن ذلك ذبح لشاتين، ويحتمل أن لا يحنث في الأولى أيضا، وهذا الاحتمال كما قال الأذرعي أقرب، أو لا يقرأ في مصحف ففتحه وقرأ فيه حنث، أو لا يدخل هذا المسجد فدخل زيادة حادثة فيه بعد اليمين، أو لا يكتب بهذا القلم وهو مبري فكسر ثم بري فكتب به لم يحنث وإن كانت الأنبوبة واحدة لأن اليمين في الأولى لم تتناول الزيادة حال الحلف والقلم في الثانية اسم للمبري دون القصبة، وإنما يسمى قبل البري قلما مجازا لأنه سيصير قلما، أو لا آكل اليوم إلا أكلة واحدة فاستدام من أول النهار إلى آخره لم يحنث، وإن قطع الاكل قطعا بينا ثم عاد حنث، وإن قطع لشرب أو انتقال من لون إلى آخر، أو انتظار ما يحمل إليه من الطعام ولم يطل الفصل لم يحنث. (أو لا يأكل طعاما اشتراه زيد لم يحنث بما اشتراه) زيد (مع غيره) شركة معا أو مرتبا، لأن كل جزء من الطعام لم يختص زيد بشرائه بدليل أنه لا يقال اشتراه فلان بل بعضه، ولا يحنث بما اشتراه لزيد وكيله أو ملكه بقسمة وإن جعلناها بيعا أو بصلح أو إرث أو هبة أو وصية أو رجع إليه برد بعيب أو إقالة وإن جعلناها بيعا (وكذا لو قال) لا آكل (من طعام اشتراه زيد) لم يحنث بما ذكره في المتن (في الأصح) لما مر والثاني يحنث به، لأن غرض الحالف الامتناع عما ثبت لزيد منه شراء وهو موجود (ويحنث بما اشتراه) زيد (سلما) أو إشراكا أو تولية أو مرابحة، لأنها أنواع من الشراء. فإن قيل: ما ذكره المصنف في السلم مناقض لما صححه في بابه من عدم انعقاده بلفظ البيع. أجيب بأنه لا يلزم من كون السلم بيعا في الحقيقة أن يصح بلفظ البيع بل بلفظ السلم. وهذا كما أن التولية والاشراك بيع حقيقي ولا يصحان بلفظ البيع، وسببه أن هذه بيوع خاصة والخاص فيه قدر زائد على العام فلا يصح إيراده بالعام لفوات المعنى الزائد على العام.
تنبيه: لو اشتراه زيد لغيره، أو اشتراه ثم باعه، أو باع بعضه فأكل منه حنث، ولا يحنث بما ملكه زيد بإرث، أو هبة، أو وصية، أو رجع إليه برد بعيب، أو إقالة أو خلص له بالقسمة وإن جعلناها بيعا، وكذا الصلح، لأن لفظ الصلح موضوع للرضا بترك بعض الحق، ولا بما اشتراه له وكيله. (ولو اختلط ما اشتراه) زيد (بمشترى غيره لم يحنث) بأكله من المختلط (حتى يتيقن أكله من ماله) بأن يأكل قدرا صالحا كالكف والكفين، لأنه يتحقق أن فيه مما اشتراه زيد، بخلاف عشر حبات وعشرين حبة.
تنبيه: قوله بمشترى غيره ليس بقيد فإن اختلاطه بملك الغير كذلك وسواء أملكه ذلك الغير بالشراء أم بغيره.
وقوله: حتى يتيقن مثله الظن، وقضية كلامه أنه لا فرق فيما ذكره بين أن يقول طعاما اشتراه أو من طعام اشتراه وهو ظاهر في الثانية. وأما الأولى ففي تحنيثه بالبعض توقف لاعطاء اللفظ الجميع، لا سيما إذا قصده وهذا كله عند الاطلاق، فلو قال أردت طعاما يشتريه سائغا أو خالصا حنث به، لأنه غلظ على نفسه.