مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٩٠
ويتعلق بعضه باجتهاد الإمام اه‍. والمعتمد أنها تعزيرات وإنما لم تجز الزيادة اقتصارا على ما ورد. ثم شرع في بيان ما يثبت به شرب المسكر فقال: (ويحد بإقراره) كقوله: شربت خمرا أو شربت مما شرب منه غيري فسكر منه (أو شهادة رجلين) يشهدان بمثل ذلك (لا) بشهادة رجل وامرأتين، لأن البينة ناقصة والأصل براءة الذمة، ولا باليمين المردودة لما مر في قطع السرقة، (لا بريح خمر وسكر وقئ) لاحتمال أن يكون شرب غالطا أو مكرها، والحد يدرأ بالشبهة ولا يستوفيه القاضي بعلمه على الصحيح بناء على أنه لا يقضي بعلمه في حدود الله تعالى، نعم سيد العبد يستوفيه بعلمه لاصلاح ملكه (و) لا يشترط في الاقرار والشهادة تفصيل، بل (يكفي) الاطلاق (في إقرار) من شخص بأنه شرب خمرا (و) في (شهادة) بشرب مسكر (شرب) فلان (خمرا) ولا يحتاج أن يقول وهو مختار عالم لأن الأصل عدم الاكراه، والغالب من حال الشارب علمه بما يشربه فنزل الاقرار والشهادة عليه (وقيل يشترط) التفصيل بأن يزاد على ما ذكر في كل منهما كقول المقر: وأنا عالم مختار: وكقول الشاهد (وهو عالم به مختار) لأنه إنما يعاقب باليقين كالشهادة بالزنا، واختاره الأذرعي وفرق الأول بأن الزنا قد يطلق على ما لاح فيه كما في الحديث: العينان يزنيان بخلاف سكر المسكر.
تنبيه: سكت المصنف هنا عن حكم رجوع المقر بشرب خمر وهو على مما سبق في حد الزنا، فإن كل ما ليس من حق آدمي يقبل الرجوع فيه. (ولا يحد حال سكره) لأن المقصود منه الردع والزجر والتنكيل وذلك لا يحصل مع السكر، بل يؤخر وجوبا كما صرح به ابن الوردي في بهجته ليرتدع، فإن حد قبلها ففي الاعتداد به وجهان: أصحهما كما قاله البلقيني والأذرعي: الاعتداد به (وسوط الحدود) أو التعازير (بين قضيب) وهو الغصن (وعصا) غير معتدلة (و) بين (رطب ويابس) بأن يكون معتدل الجرم والرطوبة للاتباع ولم يصرحوا بوجوب هذا ولا بندبه، وقضية كلامهم الوجوب كما قاله الزركشي. ولما فرغ من صفة السوط بين كيفية عدد الضرب بقوله: (ويفرقه) أي السوط، أي الضرب به (على الأعضاء) فلا يجمعه في موضع واحد، لما روى البيهقي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال للجلاد : أعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير والتفريق واجب كما بحثه الأذرعي: لأن الضرب على موضع واحد يعظم ألمه بالموالاة، وقد يؤدي إلى الهلاك. قال: ولم أر فيه نصا للأصحاب، ثم استثنى المصنف من الأعضاء قوله:
(إلا المقاتل) وهي مواضع يسرع القتل إليها بالضرب كقلب وثغرة نحر وفرج فلا يضربه عليها لما مر من قول علي:
واتق الوجه والمذاكير، وظاهر كلامهم كما قال الأذرعي: أن ذلك واجب، لأن القصد ردعه لا قتله، فلو ضربه على مقتل فمات ففي ضمانه وجهان، وقضية كلام الدارمي ترجيح نفي الضمان (و) إلا (الوجه) فلا يضربه عليه وجوبا لخبر مسلم: إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ولأنه مجمع المحاسن فيعظم أثر شينه (قيل: و) إلا (الرأس) فلا يضربه لشرفه كالوجه، والأصح وعزاه الرافعي للأكثرين لا، والفرق أنه معظم غالبا فلا يخاف تشويهه بالضرب بخلاف الوجه.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه قال للجلاد: اضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس. وكان ينبغي أن يقول: في قول والرأس فإن القاضي أبا الطيب حكاه عن نص البويطي ورجحه، وجزم به الماوردي وابن الصباغ وصاحب التنبيه وغيرهم، وقال الروياني في التجربة: غلط من قال بخلافه.
تنبيه: لا يجوز للجلاد رفع يده بحيث يبدو بياض إبطه، ولا يخفضها خفضا شديدا، بل يتوسط بين خفض ورفع، فيرفع ذراعه لا عضده، ولا يبالي بكون المجلود رقيق الجلد يدميه الضرب الخفيف. (ولا تشد يده) أي المجلود بل تترك مطلقة يتقي بها، وإذا وضعها على موضع ضرب غيره، ولا يلقى على وجهه، ولا يربط ولا يمد كما قاله البغوي بل يجلد الرجل قائما والمرأة جالسة (ولا تجرد ثيابه) الخفيفة التي لا تمنع أثر الضرب، أما ما يمنع كالجبة المحشوة والفروة
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548