العرض دون المال، ولو سمع الإمام رجلا يقول: زنيت برجل، لم يقم عليه الحد لأن المستحق مجهول ولا يطالبه بتعيينه لأن الحد يدرأ بالشبهة، وإن سمعه يقول: زنى فلان، لزمه أن يعلم المقذوف في أصح الوجهين لأنه ثبت له حق لم يعلم: فعلى الإمام إعلامه كما لو ثبت له عنده مال لم يعلم به.
كتاب قطع السرقة لو قال كتاب السرقة كما فعل في الزنا لكان أخصر وأعم لتناوله أحكام نفس السرقة، وهي بفتح السين وكسر الراء، ويجوز إسكانها مع فتح السين وكسرها، ويقال أيضا السرق - بكسر الراء - لغة: أخذ المال خفية، وشرعا أخذه خفية ظلما من حرز مثله بشروط تأتي والأصل في القطع بها قبل الاجماع قوله تعالى * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * والاخبار الشهيرة، ولما نظم أبو العلاء المعري البيت الذي شكك على الشريعة في الفرق بين الدية والقطع في السرقة، وهو:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار أجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله:
وقاية النفس أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري وهو جواب بديع مع اختصار، ومعناه أن اليد لو كانت تودي بما قطع فيه لكثرت الجنايات على الأطراف لسهولة الغرم في مقابلتها فغلظ الغرم حفظاها. وقال ابن الجوزي: لما سئل عن هذا لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت. وأركان القطع ثلاثة: مسروق وسرقة وسارق، وبدأ بشروط الأول، فقال: (يشترط لوجوبه) أي القطع (في المسروق أمور) الأول (كونه ربع دينار) فأكثر ولو كان الربع لجماعة لخبر مسلم: لا تقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعدا. ثم وصف ربع الدينار بكونه (خالصا) لأن الربع المغشوش ليس بربع دينار حقيقة، فإن كان في المغشوش ربع خالص وجب القطع. ونبه بقوله (أو قيمته) على أن الأصل في التقويم هو الذهب الخالص حتى لو سرق دراهم أو غيرها قومت به ويعتبر النصاب وقت إخراجه من الحرز، فلو نقصت قيمته بعد ذلك لم يسقط القطع. وقال ابن بنت الشافعي: يقطع بسرقة القليل، ولا يشترط النصاب لعموم الآية، وفي الصحيح: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده. وأجيب عن الآية بأنها مخصوصة بالحديث المار، وعما في الصحيح بأجوبة: أحدها ما قاله الأعمش كانوا يرون أنها بيضة الحديد، والحبل يساوي دراهم كحبل السفينة، ورواه البخاري عنه. الثاني حمله على جنس البيض والحبال. الثالث أن المراد أن ذلك يكون سببا وتدريجا من هذا إلى ما تقطع فيه يده.
تنبيه: يعتبر في التقويم القطع مع أن الشهادة لا تقبل وإن كان مستندها الظن (و) على أن التقويم يعتبر بالمضروب (لو سرق ربعا) من دينار (سبيكة) هو صفة ربعا على تأويل بمسبوكا، وبذلك اندفع ما قيل إنه لا يصح أن يكون صفة لربعا لاختلافهما بالتذكير والتأنيث أو حليا أو نحوه كقراضة (لا يساوي ربعا مضروبا فلا قطع) به (في الأصح) وإن ساواه غير مضروب لأن المذكور في الخبر لفظ الدينار وهو اسم لمضروب، والثاني ينظر إلى الوزن فيقطع ولا حاجة لتقويمه لبلوغ عين الذهب قدر النصاب كما في الزكاة. قال الأذرعي: وهذا قول الجمهور. وقال البلقيني: إنه ظاهر نصوص الشافعي. وقال الشيخ أبو حامد: لا يختلف فيه المذهب، ومع هذا فالمعتمد ما جرى