تنبيه: سكت عن شروط أخر، وهي التزام الأحكام والعلم بالتحريم، وعدم إذن المقذوف، وأن يكون غير أصل، فلا حد على حربي لعدم التزامه الأحكام، ولا جاهل بالتحريم لقرب عهده بالاسلام، أو بعده عن العلماء، ولا على من قذف غيره بإذنه كما نقله الرافعي عن الأكثرين، وإن ادعى الإمام أن الجماهير أجمعوا على حده، كما لو قال اقطع يدي فقطعها لا يجب ضمانها، ولا على أصل كما سيأتي. ويسقط أيضا حد القاذف بإقامة البينة بزنا المقذوف وبإقراره وبعفوه وباللعان في حق الزوجة (ويعزر) القاذف (المميز) من صبي، أو مجنون له نوع تمييز كما جزم به في الروضة للزجر والتأديب، فإن لم يعزر الصبي حتى بلغ سقط لأنه كان للزجر والتأديب وقد حدث سبب أقوى منه وهو التكليف كما قالاه في اللعان، وقياسه كما قال الزركشي أن يكون المجنون إذا أفاق كذلك (ولا يحد) الأصل ولو أنثى (بقذف الولد وإن سفل) كما لا يقتل به.
تنبيه: اقتصاره على نفي الحد يقتضي أنه يعزر، وهو المنصوص للايذاء. فإن قيل: قد قالوا في كتاب الشهادات: أن الأصل لا يحبس في وفاء دين فرعه مع أن الحبس تعزير. أجيب بأن حبسه للدين قد يطول زمنه فيشق عليه، بخلاف التعزير هنا فإنه قد يحصل بقيام من مجلس ونحوه وحيث ثبت فهو لحق الله تعالى لا لحق الولد، وكما لا يحد بقذف ولده لا يحد بقذف من ورثه الولد ولم يشاركه فيه غيره، كما لو قذف امرأة له منها ولد ثم ماتت، لأنه إذا لم يثبت له ابتداء لم يثبت له انتهاء كالقصاص، فإن شاركه فيه غيره كأن كان لها ولد آخر من غيره كان له الاستيفاء لأن بعض الورثة يستوفيه جميعها.
فرع: قال في الحاوي في باب اللعان: لو قال لابنه أنت ولد زنا كان قاذفا لامه. قال الدميري: وهذه مسألة حسنة ذكرها ابن الصلاح في فتاويه بحثا من قبل نفسه، وكأنه لم يطلع فيها على نقل. وزاد أنه يعزر للمشتوم. قال الشيخ عز الدين: لو قذف شخص آخر في خلوة بحيث لا يسمعه إلا الله والحفظة لم يكن كبيرة موجبة للحد لخلوه عن مفسدة الايذاء، ولا يعاقب في الآخرة إلا عقاب من كذب كذبا لا ضرورة فيه.
فائدة: اختار المصنف والغزالي أن الغيبة بالقلب إذا أدركها الملكان الحافظان كما لو تلفظ بها ويدركان ذلك بالشم، ولعل هذا فيما إذا صمم على ذلك، وإلا فما يخطر على القلب مغفور، وإذا عرف شرط حد القذف (فالحر) القاذف حده (ثمانون) جلدة لآية * (فاجلدوهم ثمانين جلدة) * إذ المراد فيها الأحرار لقوله تعالى فيها * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * لأن العبد لا تقبل شهادته وإن لم يقذف (والرقيق) القاذف والمكاتب والمدبر وأم الولد والمبعض حد كل منهم (أربعون) جلدة على النصف من الحر بالاجماع، وهذا من أمثلة تخصيص القرآن بالاجماع.
تنبيه: محل كون حده أربعين إذا قذف في حال رقه، فلو قذف وهو حر ملتزم ثم التحقيق بدار الحرب واسترق فحده ثمانون اعتبارا بحال القذف (و) شرط (المقذوف) أي الذي يحد قاذفه (الاحصان) أي كونه محصنا لقوله تعالى * (والذين يرمون المحصنات) * فقيد إيجاب الثمانين بذلك (وسبق في) كتاب (اللعان) بيان ما يحصل به الاحصان، وبيان شرط المقذوف فلا حاجة لذكره هنا (ولو شهد) في مجلس الحكم (دون أربعة) من الرجال (بزنا حدوا في الأظهر) لأن عمر رضي الله تعالى عنه حد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا كما ذكره البخاري في صحيحه ولم يخالفه أحد، ولئلا يتخذ صورة الشهادة ذريعة إلى الوقيعة في أعراض الناس. والثاني المنع لأنهم جاءوا شاهدين لا هاتكين.
تنبيه: محل الخلاف إذا شهدوا في مجلس أما لو شهدوا والقاضي في غيره فقاذفون جزما وإن كان بلفظ الشهادة كما صرح به في الوجيز وغيره.
فرع: لو شهد الزوج بزنا زوجته كان قاذفا لها فيحد حد القذف، لأن شهادته بزنا غير مقبولة للتهمة،