مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ٣
بحال الوفاة، وسائر العلوم تتعلق بحال الحياة، وقيل النصف بمعنى الصنف، قال الشاعر:
إذا مت كان الناس نصفان شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنع وقيل إن العلم يستفاد بالنص تارة وبالقياس أخرى، وعلم الفرائض مستفاد من النص، وقيل غير ذلك. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: إذا تحدثتم فتحدثوا في الفرائض وإذا لهوتم فالهوا في الرمي، واشتهر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعلم الفرائض أربعة: علي وابن عباس وزيد وابن مسعود، ولم يتفق هؤلاء في مسألة إلا وافقتهم الأمة وما اختلفوا إلا وقعوا فرادى ثلاثة في جانب وواحد في جانب، واختار الشافعي رضي الله تعالى عنه مذهب زيد، لأنه أقرب إلى القياس، ولقوله (ص): أفرضكم زيد. وعن القفال أن زيدا لم يهجر له قول بل جميع أقواله معمول بها بخلاف غيره. ومعنى اختياره لمذهبه أنه نظر في أدلته فوجدها مستقيمة فعمل بها لا أنه قلده كما قاله ابن الرفعة في مطلبه، لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا. وذكرت في شرح التنبيه أنه اجتمع في اسم زيد أصول الفرائض وغالب قواعدها. وعرف بعضهم علم الفرائض بأنه الفقه المتعلق بالإرث ومعرفة الحساب الموصل إلى معرفة ذلك ومعرفة قدر الواجب من التركة لكل ذي حق. فخرج بالإرث العلم المتعلق بالصلاة مثلا فلا يسمى علم الفرائض. وعلم الفرائض يحتاج كما نقله القاضي عن الأصحاب إلى ثلاثة علوم: علم الفتوى بأن يعلم نصيب كل وارث من التركة وعلم النسب بأن يعلم الوارث من الميت بالنسب وكيفية انتسابه للميت، وعلم الحساب بأن يعلم من أي حساب تخرج المسألة، وحقيقة مطلق الحساب أنه علم بكيفية التصرف في عدد لاستخراج مجهول من معلوم. (يبدأ) وجوبا (من تركة الميت) وهي ما يخلفه، فتصدق بما تركه من خمر صار خلا بعد موته ومن شبكة نصبها فوقع فيها بعد موته صيد فيورث ذلك عنه، وكذلك الدية المأخوذة في قتله بناء على الأصح من دخولها في ملكه قبيل موته كما قاله الزركشي. ونظر بعضهم في الصورة الثانية، فالتعبير بالتركة أولى من التعبير بالمال المتخلف. وعلق بيبدأ قوله: (بمؤنة تجهيزه) بالمعروف بحسب يساره وإعساره، ولا عبرة بما كان عليه في حياته من إسرافه وتقتيره، وهي ما يحتاج إليه الميت من كفن وحنوط وأجرة تغسيل وحفر وغير ذلك لقوله (ص) في الذي وقصته ناقته: كفنوه في ثوبيه ولم يسأل هل عليه دين أو لا، لاحتياجه إلى ذلك كما تقدم حاجته من ملبس وقوت يوم القسمة على حقوق الغرماء. وإنما يدفع للوارث ما يستغني عنه المورث، ولأنه إذا كان يترك للحي عند فلسه دست ثوب يليق به فالميت أولى أن يستر ويوارى، لأن الحي يعالج ويسعى لنفسه، والميت قد انقطع علاجه وسعيه بموته. ويبدأ أيضا بمؤنة تجهيز من على الميت مؤنته إن كان مات في حياته كما في الروضة في الفلس عن نص الشافعي واتفاق الأصحاب. ويستثنى من إطلاق المصنف المرأة المزوجة وخادمها فتجهيزهما على زوج غني عليه نفقتهما كما مر في الجنائز، وكالزوجة البائن الحامل. (ثم تقضي) منها (ديونه) المتعلقة بذمته من رأس المال، سواء أذن الميت في ذلك أم لا لزمته لله تعالى أم لآدمي، لأنها حقوق واجبة عليه. ويقدم دين الله تعالى كالزكاة والكفارة والحج على دين الآدمي في الأصح. أما المتعلقة بعين التركة فستأتي (ثم) تنفذ (وصاياه) وما ألحق بها من عتق علق بالموت وتبرع نجز في مرض الموت أو ألحق به، لقوله تعالى: * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) *. (من ثلث الباقي) بعد إخراج دينه كما نبه عليه المصنف بثم، وحكى القرطبي في تفسيره الاجماع عليه. فإن قيل: ما الحكمة في تقديم الوصية في الآية على الدين مع أنه مقدم؟ أجيب بأن الوصية لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض كان في إخراجها مشقة على الوارث فقدمت حثا على إخراجها، ولان الوصية غالبا تكون لضعاف فقوى جانبها بالتقديم في الذكر لئلا يطمع فيها ويتساهل بخلاف الدين، فإن فيه من القوة ما يغنيه عن التقوية بذلك.
تنبيه: قول المصنف: من ثلث الباقي قد يوهم أنه لو استغرق الدين التركة، لم تنفذ الوصية ولم يحكم بانعقادها، حتى لو تبرع متبرع بقضاء الدين أو أبرأه المستحق منه لا تنفذ الوصية حينئذ، وليس مرادا بل يحكم بانعقادها وتنفذ حينئذ كما ذكره الرافعي في باب الوصية. فإن قيل: الوصية في الآية مطلقة فلماذا اعتبرت من الثلث؟ أجيب بأنها قيدت بالسنة في قوله
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460