وصرح به القاضي شريح والروياني وغيرهما، وعبارة الروياني وصفة الشهادة على الهلال أن يقول رأيته في ناحية المغرب، ويذكر صغره وكبره وتدويره وتقديره، وأنه بحذاء الشمس أو في جانب منها، وأن ظهره إلى الجنوب أو الشمال، وأنه كان في السماء غيم أو لم يكن. وفائدة التنصيص على ذلك الاحتياط، حتى إذا رؤي في الليلة الثانية ولم يكن بهذه الصفات بأن كذب الشاهد لأن الهلال في الليلة الثانية لا يتحول عن صفاته التي طلع عليها بالأمس، وإن خالف في ذلك ابن أبي الدم، فقال: لا يجوز أن يقول: أشهد أني رأيت الهلال لأنها شهادة على فعل نفسه، بل طريقه أن يشهد بطلوع الهلال أو على أن الليلة من رمضان مثلا ونحو ذلك. ويدل للأول المعتمد قبول شهادة المرضعة إذا قالت: أشهد أني أرضعته على الأصح. واعلم أن رمضان قد يثبت بواحد وقد يثبت بأكثر وحينئذ فالأولى التعبير بتثبت كما في المحرر، ولا يأتي بالمبتدأ المشعر بالحصر، نبه على ذلك الأسنوي. (وإذا صمنا بعدل ولم نر الهلال بعد ثلاثين أفطرنا في الأصح) المنصوص (وإن كانت السماء مصحية) أي لا غيم فيها لكمال العدد بحجة شرعية. والثاني: لا، لأن الفطر يؤدي إلى ثبوت شوال بقول واحد وهو ممتنع. وأجاب الأول بأن الشئ قد يثبت ضمنا بما لا يثبت به مقصودا، ألا ترى أن النسب والميراث لا يثبتان بشهادة النساء ويثبتان ضمنا بالولادة كما مر؟ وقيل: إن كانت السماء مغيمة أفطرنا وإن كانت مصحية فلا لقوة الرؤية، ولو صمنا بعدل ثم رجع الشاهد في أثناء اليوم، فقيل: لا يلزم الصوم كرجوع الشاهد قبل الحكم، وقيل: يلزم لأن الشروع فيه كالحكم، قاله شريح في أدب القضاء. وهذا الثاني أقرب كما قاله الأذرعي. (وإذا رؤي ببلد لزم حكمه البلد القريب) منه قطعا، كبغداد والكوفة لأنهما كبلد واحدة كما في حاضري المسجد الحرام.
(دون البعيد في الأصح) كالحجاز والعراق. والثاني: يلزم في البعيد أيضا. (والبعيد مسافة القصر) وصححه المصنف في شرح مسلم لأن الشرع علق بها كثيرا من الأحكام. (وقيل باختلاف المطالع. قلت: هذا أصح، والله أعلم) لأن أمر الهلال لا تعلق له بمسافة القصر، ولما روى مسلم عن كريب قال: رأيت الهلال بالشام ثم قدمت المدينة فقال ابن عباس:
متى رأيتم الهلال؟ قلت: ليلة الجمعة، قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله (ص). وقياسا على طلوع الفجر والشمس وغروبهما. قال الشيخ تاج الدين التبريزي: واختلاف المطالع لا يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخا. فإن قيل: اعتبار اتحاد المطالع واختلافها يتعلق بالمنجم والحاسب، وقد تقدم أنه لا يعتبر قولهما في إثبات رمضان. أجيب بأنه لا يلزم من عدم اعتباره في الأصول والأمور العامة عدم اعتباره في التوابع والأمور الخاصة، فإن شك في الاتفاق في المطلع لم يجب على الذين لم يروا الصوم لأن الأصل عدم وجوبه لأنه إنما يجب بالرؤية ولم تثبت في حق هؤلاء لعدم ثبوت قربهم من بلد الرؤية. قال السبكي: وقد تختلف المطالع وتكون الرؤية في أحد البلدين مستلزمة للرؤية في الآخر من غير عكس، وذلك أن الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل دخوله في البلاد الغربية، فمتى اتحد المطلع لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر، ومتى اختلف لزم من رؤيته في الشرقي رؤيته في الغربي ولا ينعكس، وعلى ذلك حديث كريب فإن الشام غربية بالنسبة إلى المدينة، فلا يلزم من رؤيته في الشام رؤيته فيها. (وإذا لم نوجب على) أهل (البلد الآخر) وهو البعيد، (فسافر إليه من بلد الرؤية) من صام به، (فالأصح أنه يوافقهم) وجوبا (في الصوم آخرا) وإن كان قد أتم ثلاثين، لأنه بالانتقال إلى بلدهم صار واحدا منهم فيلزمه حكمهم. وروي أن ابن عباس أمر كريبا بذلك. والثاني: يفطر، لأنه لزمه حكم البلد الأول فيستمر