والثالث: لا يصح فيهما بل لا بد أن يجمع بينهما، وعلى الأول يندب له الجمع بينهما خروجا من خلاف من أوجبه لتكون نية الرفع للحدث السابق ونية الاستباحة أو نحوها للاحق، وبهذا يندفع ما قيل إنه قد جمع في نيته بين مبطل وغيره.
فإن قيل: نية الاستباحة وحدها تفيد الرفع كنية رفع الحدث، فالغرض يحصل بها وحدها. أجيب بأن الغرض الخروج من الخلاف، وهو إنما يحصل بما يؤدي المعنى مطابقة لا التزاما، وذلك إنما يحصل بجمع النيتين. ويكفيه أيضا نية الوضوء ونحوها مما تقدم كما اعتمده الأسنوي والنسائي وصرح به في الحاوي الصغير. وقال الكمال بن أبي شريف: إنه الحقيق بالاعتماد، وإن خالف في ذلك ابن المقري في إرشاده، لأن الوضوء لا يستلزم رفع الحدث ويصح مع الحدث في الجملة.
تنبيه: حكم نية دائم الحدث فيما يستبيحه من الصلوات حكم نية المتيمم كما ذكره الرافعي هنا وأغفله من الروضة، فإن نوى الفرض استباحه وإلا فلا على المذهب، وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط ذلك في التيمم. لا يشترط في النية الإضافة إلى الله تعالى لكن تستحب كما في الصلاة وغيرها، ولو توضأ الشاك بعد وضوئه في حدثه احتياطا فبان محدثا لم يجزئه للتردد في النية بلا ضرورة، كما لو قضى فائتة الظهر مثلا شاكا في أنها عليه ثم بان أنها عليه لا يكفي. أما إذا لم يتبين حدثه فإنه يجزئه للضرورة، ولو توضأ الشاك وجوبا بأن شك بعد حدثه في وضوئه فتوضأ أجزأه وإن كان مترددا، لأن الأصل بقاء الحدث، بل لو نوى في هذه إن كان محدثا فعن حدثه وإلا فتجديد صح أيضا وإن تذكر، نقله في المجموع عن البغوي وأقره. (ومن نوى) بوضوئه (تبردا) أو شيئا يحصل بدون قصد كتنظف ولو في أثناء وضوئه، (مع نية معتبرة) أي مستحضرا عند نية التبرد أو نحوه نية الوضوء (جاز) أي أجزأه ذلك (على الصحيح) لحصول ذلك من غير نية، كمصل نوى الصلاة ودفع الغريم فإنها تجزئه، لأن اشتغاله عن الغريم لا يفتقر إلى نية. والثاني: يضر، لما في ذلك من التشريك بين قربة وغيرها.
فإن فقد النية المعتبرة كأن نوى التبرد أو نحوه وقد غفل عنها لم يصح غسل ما غسله بنية التبرد ونحوه ويلزمه إعادته دون استئناف الطهارة. قال الزركشي: وهذا الخلاف في الصحة، أما الثواب فالظاهر عدم حصوله. وقد اختار الغزالي فيما إذا شرك في العبادة غيرها من أمر دنيوي اعتبار الباعث على العمل، فإن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، وإن كان القصد الديني أغلب فله بقدره وإن تساويا تساقطا. واختار ابن عبد السلام أنه لا أجر فيه مطلقا، سواء أتساوى القصدان أم اختلفا. ويبطل بالردة التيمم ونية الوضوء والغسل. ولو نوى قطع الوضوء انقطعت النية فيعيدها للباقي، وإذا بطل وضوءه في أثنائه بحدث أو غيره، قال في المجموع عن الروياني: يحتمل أن يثاب على الماضي كما في الصلاة، أو يقال:
إن بطل باختياره فلا أو بغير اختياره فنعم. ومن أصحابنا من قال: لا ثواب له بحال لأنه يراد لغيره بخلاف الصلاة اه.
والأوجه التفصيل في الوضوء والصلاة. (أو) نوى بوضوئه (ما يندب له وضوء كقراءة) لقرآن أو حديث وكدخول مسجد، (فلا) يجوز له ذلك، أي لا يجزئه. (في الأصح) لأنه مباح مع الحدث فلا يتضمن قصده قصد رفع الحدث، فكان كزيارة الوالدين والصديق وعيادة المريض، وكل ذلك لا يصح الوضوء بنيته، والثاني: يصح، لأن مقصوده تحصيل المستحب، وهو لا يحصل بدون رفع الحدث، فكانت نيته متضمنة له. أما ما لا يندب له الوضوء كدخول السوق ولبس الثياب فلا يصح الوضوء بنيته جزما.
فروع: الأول: لو نوى أن يصلي بوضوئه ولا يصلي به لم يصح وضوؤه لتلاعبه وتناقضه، وكذا لو نوى به الصلاة بمكان نجس. الثاني: لو انغرس بعض أعضاء من نوى الطهر بسقطة في ماء أو غسلها فضولي ونيته فيهما عازبة، لم يجزه لانتفاء فعله مع النية. فقولهم لا يشترط فعله محله إذا كان متذكرا للنية بخلاف ما لو ألقاه غيره في نهر مكرها فنوى فيه رفع الحدث صح وضوؤه كما صرح به في الروضة. الثالث: لو نسي لمعة في وضوئه أو غسله فانغسلت في الغسلة الثانية أو الثالثة بنية التنفل أو في إعادة وضوء أو غسل لنسيان له أجزأه، أما في الأولى فلان قضية نيته الأولى كمال غسلها قبل غيرها، وتوهمه الغسل عن غير ما لا يمنع الوقوع عنها كما لو جلس للتشهد الأخير ظانا أنه الأول فإنه يكفي وإن توهمه الأول، وأما في الثانية فلانه أتى بذلك بنية الوجوب بخلاف ما لو انغسلت في تجديد وضوء فإنه لا يجزئه لأنه طهر مستقل بنية لم تتوجه لرفع الحدث أصلا، وبخلاف ما لو توضأ احتياطا فانغسلت فيه فإنه لا يجزئه أيضا لما مر في تعليله. (ويجب قرنها) بسكون الراء