نعم إن دفع إلى القاضي البر خرج عن الواجب بيقين لأنه أعلى الأقوات، والنقل جائز للقاضي الذي له أخذ الزكوات. ( والأصح أن من أيسر ببعض صاع يلزمه) إخراجه محافظة بقدر الامكان، والثاني: لا كبعض الرقبة في الكفارة، وفرق الأول بأن الكفارة لها بدل بخلاف الفطرة (و) الأصح (أنه لو وجد بعض الصيعان قدم) وجوبا (نفسه) لخبر مسلم: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شئ فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شئ فلذي قرابتك. والثاني: يقدم زوجته، والثالث:
يتخير. (ثم زوجته) لأن نفقتها آكد لأنها معاوضة لا تسقط بمضي الزمان، والثاني: يقدم القريب، والثالث: يتخير. (ثم ولده الصغير) لأن نفقته ثابتة بالنص والاجماع، ولأنه أعجز ممن بعده. (ثم الأب) وإن علا ولو من قبل الام لشرفه. (ثم الام) لقوة حرمتها بالولادة. (ثم) الولد (الكبير) على الأرقاء، لأن الحر أشرف وعلاقته لازمة، بخلاف الملك فإنه عارض ويقبل الزوال.
تنبيه: محل ما ذكره في الكبير إذا كان لا كسب له وهو زمن أو مجنون، فإن لم يكن كذلك فالأصح عدم وجوب نفقته، وسيأتي إيضاح ذلك إن شاء الله تعالى في باب النفقات. وهذا الترتيب ذكره أيضا في الشرح والروضة، والذي صححاه في باب النفقات تقديم الام في النفقة على الأب، وفرق في المجموع بين البابين بأن النفقة لسد الخلة والام أكثر حاجة وأقل حيلة، والفطرة لتطهير المخرج عنه وتشريفه والأب أحق به فإنه منسوب إليه ويشرف بشرفه اه. وأبطل الأسنوي الفرق بالولد الصغير، فإنه يقدم هنا على الأبوين وهما أشرف منه، فدل على اعتبار الحاجة في البابين. وأجاب شيخي عن ذلك بأنهم إنما قدموا الولد الصغير لأنه كجزء المخرج مع كونه أعجز من غيره ثم الرقيق. قال شيخنا: وينبغي أن تقدم منه أم الولد ثم المدبر ثم المعلق عتقه بصفة، فإن استوى اثنان في درجة كزوجين وابنين تخير لاستوائهما في الوجوب، وإنما لم يوزع بينهما لنقص المخرج عن الواجب في حق كل منهما بلا ضرورة بخلاف من لم يجد إلا بعض الواجب.
(وهي) أي فطرة الواحد (صاع) لحديث ابن عمر السابق أول الباب، (وهو ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث) درهم، لأنه أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالبغدادي، والرطل مائة درهم وثلاثون درهما. (قلت: الأصح ستمائة وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم لما سبق في زكاة النبات) من كون الرطل مائة وثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم، (والله أعلم) وقد سبق في زكاة النبات إيضاحه. والأصل فيه الكيل، وإنما قيل بالوزن استظهارا، والعبرة بالصاع النبوي إن وجد أو معياره، فإن فقد أخرج قدرا يتيقن أنه لا ينقص عن الصاع. قال في الروضة: قال جماعة: الصاع أربع حفان بكفي رجل معتدلهما اه. والصاع بالكيل المصري قدحان، وينبغي أن يزيد شيئا يسيرا لاحتمال اشتمالهما على طين أو تبن أو نحو ذلك. قال ابن الرفعة: كان قاضي القضاة عماد الدين السكري رحمه الله تعالى يقول حين يخطب بمصر خطبة عيد الفطر: والصاع قد حان بكيل بلدكم هذه سالم من الطين والعيب والغلت، ولا يجزئ في بلدكم هذه إلا القمح اه.
وتقدم في الصاع كلام في زكاة النبات فراجعه.
فائدة: ذكر القفال الشاشي في محاسن الشريعة معنى لطيفا في إيجاب الصاع، وهو أن الناس تمتنع غالبا من الكسب في العيد وثلاثة أيام بعده ولا تجد الفقير من يستعمله فيها لأنها أيام سرور وراحة عقب الصوم، والذي يتحصل من الصاع عند جعله خبزا ثمانية أرطال من الخبز، فإن الصاع خمسة أرطال وثلث كما مر، ويضاف إليه من الماء نحو الثلث، فيأتي منه ذلك، وهو كفاية الفقير في أربعة أيام لكل يوم رطلان. (وجنسه) أي الصاع الواجب، (القوت المعشر) أي الذي يجب فيه العشر أو نصفه، لأن النص قد ورد في بعض المعشرات: كالبر والشعير والتمر والزبيب،