مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٣٤
إن شاء الله تعالى أنه لا قصاص فيه للاختلاف في محله. (إلا نوم ممكن مقعده) أي ألييه من مقره من أرض أو غيرها فلا ينقض وضوؤه ولو مستندا إلى ما لو زال لسقط، لا من خروج شئ حينئذ من دبره. ولا عبرة باحتمال خروج ريح من قبله لأنه نادر كما مر، ومثل ذلك ما لو نام متمكنا بالمنفتح الناقض كما يؤخذ من كلام التنبيه، ولقول أنس رضي الله تعالى عنه: كان أصحاب رسول الله (ص) ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون، رواه مسلم، وفي رواية لأبي داود: ينامون حتى تخفق رؤوسهم الأرض، وحمل على نوم الممكن جمعا بين الحديثين. ودخل في ذلك ما لو نام محتبيا، وأنه لا فرق بين النحيف وغيره، وهو ما صرح به في الروضة وغيرها، وقال ابن الرفعة: إنه المذهب. ونقل الرافعي في الشرح الصغير عن الروياني أن النحيف ينتقض وضوؤه، وقال الأذرعي: إنه الحق. وجمع شيخي بينهما بأن عبارة الروضة محمولة على نحيف لم يكن بين مقره ومقعده تجاف - والشرح على خلافه - وهو جمع حسن، لكن عبارة الشرح الصغيرة: بين بعض مقعده ومقره تجاف فيكون الفرق التجافي الكامل. ولا تمكين لمن نام على قفاه ملصقا مقعده بمقره، وكذا لو تحفظ بخرقة ونام غير قاعد. ولو نام متمكنا فسقطت يده على الأرض لم ينتقض ما لم تزل أليته عن التمكن. ومن خصائصه (ص) أنه لا ينتقض وضوؤه بنومه مضطجعا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح. ويستحب الوضوء من النوم متمكنا خروجا من الخلاف، خرج بالنوم غيره مما ذكر معه فينتقض الوضوء به مطلقا.
فائدة: قال الغزالي: الجنون يزيل العقل، والاغماء يغمره، والنوم يستره، ولهذا قال بعضهم: لو عبر المصنف بالغلبة على العقل ليكون الاستثناء متصلا لكان أحسن. ويندفع ذلك بما حملت عليه عبارته تبعا للشارح. (الثالث: التقاء بشرتي الرجل والمرأة) لقوله تعالى: * (أو لامستم النساء) * أي لمستم كما قرئ به، فعطف اللمس على المجئ من الغائط، ورتب عليهما الامر بالتيمم عند فقد الماء، فدل على أنه حدث كالمجئ من الغائط، لا جامعتم، لأنه خلاف الظاهر، إذ اللمس لا يختص بالجماع، قال تعالى: * (فلمسوه بأيديهم) * وقال (ص): لعلك لمست؟. ولا فرق في ذلك بين أن يكون بشهوة أو إكراه أو نسيان أو يكون الذكر ممسوحا أو خصيا أو عنينا أو المرأة عجوزا شوهاء أو كافرة بتمجس أو غيره، أو حرة أو رقيقة، أو العضو زائدا أو أصليا سليما أو أشل أو أحدهما ميتا، لكن لا ينتقض وضوء الميت أولا. واللمس الجس باليد، والمعنى فيه أنه مظنة ثوران الشهوة، ومثله في ذلك باقي صور الالتقاء فألحق به، بخلاف النقض بمس الفرج كما سيأتي فإنه يختص ببطن الكف، لأن المس إنما يثير الشهوة ببطن الكف واللمس يثيرها به وبغيره، والبشرة ظاهر الجلد، وفي معناها اللحم كلحم الأسنان واللسان واللثة وباطن العين، وخرج ما إذا كان على البشرة حائل ولو رقيقا. نعم لو كثر الوسخ على البشرة من العرق فإن لمسه ينقض لأنه صار كالجزء من البدن بخلاف ما إذا كان من غبار، والسن والشعر والظفر كما سيأتي، وبالرجل والمرأة الرجلان والمرأتان والخنثيان والخنثى مع الرجل أو المرأة ولو بشهوة لانتفاء مظنتها ولاحتمال التوافق في صور الخنثى والعضو المبان كما سيأتي.
والمراد بالرجل الذكر إذا بلغ حدا يشتهي لا البالغ، وبالمرأة الأنثى إذا بلغت كذلك لا البالغة. ولو لمست المرأة ذكر أجنبيا أو الرجل امرأة أجنبية هل ينتقض وضوء الآدمي أو لا؟ ينبغي أن ينبني ذلك على صحة مناكحتهم، وفي ذلك خلاف يأتي في النكاح إن شاء الله تعالى. (إلا محرما) له بنسب أو رضاع أو مصاهرة، فلا ينقض لمسها ولو بشهوة، (في الأظهر) لأنها ليست مظنة للشهوة بالنسبة إليه كالرجل. وهي من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها كما سيأتي في النكاح إن شاء الله تعالى، والثاني تنقض لعموم الآية. والقولان مبنيان على أنه هل يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه أو لا؟ والأصح الجواز، وقيل:
لا ينقض المحرم من النسب وينقض من غيره. ولا يرد على ذلك زوجات النبي (ص) لأن تحريمهن لحرمته (ص) لا لحرمتهن، ولذلك قال بعض المتأخرين: ولا يورد ذلك على الضابط إلا قليل الفطنة. ولو شك في المحرمية لم ينتقض وضوؤه لأن الأصل الطهارة. وظاهر كلامهم أن الحكم كذلك وإن اختلطت محرمة بأجنبيات غير محصورات، وهو كذلك، فقول الزركشي أن اللمس في هذه الحالة ينقض، لأنه لو نكحها جاز بعيد، لأن الطهر لا يرفع بالشك ولا بالظن كما سيأتي، والنكاح لو منع منه لا نسد عليه باب النكاح، نعم إن تزوج بواحدة منهن انتقض وضوؤه بلمسها لأن الحكم لا يتبعض، ومثل
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532